تقول الحكمة التقليدية، إن الطلب على الغاز الطبيعى من الشرق الأوسط، سيستمر فى الارتفاع.
ففى السنوات العشر المنتهية بعام 2016، ارتفع الاستهلاك فى منطقة الشرق الأوسط بمقدار 25 مليار قدم مكعبة يومياً، أى أكثر بكثير من معدل استهلاك الولايات المتحدة والصين.
وتوقعت شركة «بى بى» البريطانية، أن الطلب سيرتفع من 47 مليار قدم مكعبة يومياً عام 2015 إلى 73 مليار قدم مكعبة بحلول عام 2035.
وتعتمد شركات البترول الوطنية ومصدرو الغاز الطبيعى المسال على شهية المنطقة لتبرير خطط التوسع الطموحة..
لكن كل هذا، على وشك التغير.
فقد ذكرت وكالة أنباء «بلومبرج»، أن الازدهار الاقتصادى فى المنطقة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالى الذى أججه ارتفاع أسعار البترول، أدى إلى حدوث نمو سريع وبناء مدن جديدة، وبالتالى زاد الطلب على تكييف الهواء والتدفئة فى الشتاء وتحلية المياه وجميع التجهيزات الأخرى لحياة مريحة.
وفى الوقت الذى واصلت فيه الحكومات، التصنيع كثيف الاستخدام للطاقة؛ سعياً إلى تنويع اقتصاداتها، والبحث عن قطاعات تتمتع بميزة تنافسية مثل البتروكيماويات والألومنيوم والصلب والأسمنت، تم استخدام الغاز الرخيص، وهو نتاج ثانوى من البترول على نحو متزايد.
وأدت الاختلافات السياسية والتجارية إلى تعطيل مشاريع التصدير من حقل الشمال العملاق فى قطر، وحقل بارس الجنوبى فى إيران.
وعلى الجانب الآخر، تم تدمير خط أنابيب من مصر إلى الأردن وإسرائيل وسوريا، مراراً وتكراراً.. ثم توقف الخط عن العمل؛ نظراً إلى أن مصر لم تستطع الحصول على الغاز لتلبية احتياجاتها الخاصة.
وأكثر الدول الغنية بالغاز حول العالم بدأت فى استيراد الغاز الطبيعى المسال، إذ قامت الكويت بعملية الاستيراد فى عام 2009 ودبى فى 2010 وإسرائيل عام 2013، ومصر والأردن 2015، وأبوظبى 2016.
وتخطط مدينة الشارقة فى الإمارات العربية المتحدة والبحرين لاستيراد الغاز الطبيعى المسال عامى 2018 و2019 على التوالي، فى حين تحدثت السعودية، مؤخراً، عن جلب واردات الغاز الطبيعى المسال.
ومع ذلك، فإن كل فعل، له رد فعل لا مفر منه. ولا ينبغى لمنتجى ومصدرى الغاز الذين يتطلعون إلى سوق الشرق الأوسط أن يروها بطيئة فى الطلب.
ويأتى الرد المعاكس على ثلاث جبهات الاقتصاد والكفاءة والمنافسة، إذ أدت أسعار البترول المنخفضة نسبياً إلى تراجع النمو. ووصلت إلى حد الركود فى بعض الأماكن.
وأوضحت الوكالة، أن الحكومات خصصت أموالاً أقل للإنفاق على البنية التحتية الجديدة. ولم تعد الصناعة المتجددة فى المنطقة قادرة على الاعتماد على الغاز الرخيص.
وأدى تراجع أسعار البترول والغاز إلى إدراك الحكومات حجم التكلفة الباهظة للدعم. وعن طريق تقليص الفجوة بين المعدلات المحلية والأسعار الدولية أصبح طريق الإصلاح أسهل فى التطبيق.
جاء ذلك فى الوقت الذى رفعت فيه إيران أسعار الغاز والكهرباء والوقود منذ عام 2010.
وفى وقت لاحق، اتخذت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والبحرين ومصر والأردن وغيرها الاتجاه نفسه.
ويؤدى القضاء على الدعم أو خفضه، إلى تحقيق الكفاءة فى استخدام الطاقة. ويجرى استبدال التوربينات الغازية البخارية التى تحول 25% فقط من الوقود إلى كهرباء بمحطات الدورة المركبة بكفاءة تبلغ 50% أو أكثر.
وتقوم الحكومات فى جميع أنحاء المنطقة، بإدخال معايير الكفاءة للمبانى والأجهزة المنزلية. وأصبح المستهلكون أكثر وعياً بالنفايات.
ودفع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى ونقص المعروض المحلى، حكومات الشرق الأوسط إلى اللجوء لمصادر بديلة. ومن المقرر أن يبدأ برنامج الطاقة النووية الكبير التابع للأمم المتحدة فى التوليد قريباً.
وعلى جبهة مختلفة، دفع استخدام الطاقة الشمسية والرياح فى بعض الأماكن، إلى تحقيق انخفاض الأسعار العالمية القياسية فى منطقة غارقة فى الشمس.
ومع بلوغ ذروة إنتاج الطاقة الشمسية إلى حد كبير مع استخدام تكييف الهواء فى الصيف يمكن لمصدر الطاقة هذا تلبية 20% من الطلب على الكهرباء فى المنطقة بسهولة نسبياً دون الحاجة إلى تخزين مكلف.
وتشير الأبحاث إلى أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تحقق أهدافها الكهربائية فى 2032 عن طريق حرق كميات أقل من البترول وأكثر من ذلك بقليل من الغاز بنفس التكلفة تقريباً.
وفى الوقت نفسه، تستخدم عمان المرايا الحرارية الشمسية لتوليد الطاقة وتوفير الغاز بالإضافة إلى اتجاه دول منها الإمارات وتركيا ومصر نحو الفحم وهو كثيف الكربون.. لكنه رخيص.
ونقلت الوكالة أن الغاز الطبيعى لا يزال له دور قيادي. فبطبيعة الحال يعد رخيصاً ونظيفاً نسبياً. وهناك العديد من الصناعات لا تزال قائمة على الغاز.
ولكن نمو الطلب على الغاز الإقليمى وخصوصاً واردات الغاز الطبيعى المسال سيتباطأ كثيراً، إذ إن الشركات التى تستهدف هذا السوق تحتاج للنظر إلى المستقبل وليس الماضى لتوجيه خططها المستقبلية.