من منا لا يعانى ويلات غول التضخم الذى وصل إلى أعلى مستوى فى مصر عبر ثلاثة عقود من الزمن؟ فقد أعلن البنك المركزى المصرى، أن معدل التضخم الأساسى السنوى ارتفع إلى 35.26% فى شهر يوليو الماضي، مقابل نحو 31.95% فى يونيو الماضي، كما أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن معدل التضخم السنوى العام ارتفع فى شهر يوليو الماضى ليسجل نحو 34.2% على أساس سنوي. فإذا ابتعدنا قليلاً عن الانتقادات التى توجه إلى البنك المركزي، ولكى تكون الصورة أكثر وضوحاً للعامة، دعنى أوجز هنا كيف تواجه البنوك المركزية التضخم من خلال الأدوات المختلفة بحسب أسباب التضخم.
التضخم، الذى يعرفه العامة بالغلاء، هو المعدل الذى يرتفع فيه المستوى العام لأسعار السلع والخدمات، وبالتالى فإن القوة الشرائية للعملة تأخذ فى الانخفاض. ويستثنى من هذا التعريف ارتفاع أسعار العقارات. فتتحرك الأسعار تصاعدياً نتيجة التغير فى الطلب على السلع والخدمات من جهة وثبات العرض من جهة أخرى. كما يمكن وصف التضخم أيضاً بأنه انخفاض فى قيمة النقد، فعندما تزداد كمية النقد المتداول بين أفراد المجتمع بسرعة أكبر من تزايد المنتجات والخدمات التى يمكن لأفراد المجتمع الحصول عليها حينئذٍ تفقد العملة قيمتها ويشعر المواطن بالغلاء.
يلعب البنك المركزى دوراً مهماً فى كبح جماح التضخم، وذلك لتحكمه فى العرض النقدى من أجل الحفاظ على استقراره، حيث يعتبر التضخم من أكثر المشاكل التى تسبب الاختلال فى التوازن الاقتصادي. لذلك فإن البنك المركزى يعمل على علاج التضخم من خلال استخدام الأدوات المختلفة التى تختلف أنواعها باختلاف أسبابه، وذلك لكى يتمكن من التأثير على أنشطة البنوك والرقابة على شروط الائتمان بغرض السيطرة على حجم الكتلة النقدية فى المجتمع. وتنقسم أدوات البنك المركزى للتحكم فى التضخم إلى أدوات الرقابة الكمية وأدوات الرقابة الكيفية.
تشمل أدوات الرقابة الكمية على عمليات السوق المفتوحة، وعملية سعر إعادة الخصم، ونسبة الاحتياطى القانوني.
والمقصود بعمليات السوق المفتوحة هو أن يتدخل البنك المركزى كبائع ومشترٍ لأذون الخزانة بهدف التأثير على حجم الائتمان بالتوسع أو الانكماش عن طريق التأثير فى العرض النقدي. ففى حالات التضخم إذا أراد البنك المركزى تقليل حجم الائتمان وامتصاص جزء من السيولة النقدية المتداولة فى المجتمع، فإنه يتدخل ببيع الأوراق المالية والسندات الحكومية. وفى حالات الانكماش إذا أراد البنك المركزى دفع التوسع للائتمان فيكون ذلك من خلال شرائه الأوراق المالية والسندات.
وهناك أداة أخرى هى استخدام سعر إعادة الخصم، وهو سعر الفائدة التى يحصل عليه البنك المركزى على قروضه. ففى حالة التضخم يلجأ البنك المركزى إلى تطبيق سياسة انكماشية من أجل تخفيض كمية النقود المتداولة من خلال زيادة معدل إعادة الخصم، ما يؤدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع تكلفة الائتمان. نتيجة ذلك، يقل الطلب على الاقتراض ويتقلص حجم الكتلة النقدية. وعلى النقيض، فى حالة اتباع البنك المركزى سياسة توسعية خصوصاً فى أوقات الكساد، فإنه يهدف إلى زيادة حجم النقود المتداولة، لذلك فهو يقوم بخفض سعر إعادة الخصم حتى يتيح للبنوك الاقتراض من البنك المركزى للتوسع فى الائتمان؛ حيث يزيد الطلب على القروض نتيجة انخفاض سعر الفائدة.
ويستطيع البنك المركزى استخدام نسبة الاحتياطى القانونى كأداة للرقابة الكمية. فالاحتياطى القانونى هو النسبة التى تحتفظ بها البنوك لدى البنك المركزى، وهى عبارة عن الحد الأدنى الذى يجب على البنك الاحتفاظ به من أرصدة نقدية سائلة لمقابلة السحوبات من جانب المودعين. تستخدم هذه الأداة فى حالات توسع النشاط الاقتصادى بما يُنبأ بظهور التضخم، حيث يرفع البنك المركزى نسبة الاحتياطى القانونى من أجل التحكم فى مستوى الائتمان لدى البنوك. فتضطر البنوك إلى تخفيض حجم الائتمان إما بتشديد معايير القروض الجديدة وإما باستدعاء القروض تحت الطلب. والعكس صحيح، فإذا أراد البنك المركزى أن يسهم فى توسعة النشاط الاقتصادى، فإنه يخفض نسبة الاحتياطى القانوني. هكذا يتحكم البنك المركزى فى قدرة البنوك على خلق الائتمان. ولكن ربما تكون نتائج رفع الاحتياطى القانونى غير مؤكدة إذا كانت السيولة عالية فى البنوك.
ويندرج تحت بند أدوات الرقابة الكيفية عدة أساليب، منها التفاهمات مع البنوك لتحقيق المصلحة العامة، وحجم الهامش النقدى، وشروط تمويل الائتمان للقطاع الاستهلاكى والتمويل العقارى.
فى بعض الأحيان يتعامل البنك المركزى مع البنوك على أساس تحقيق المصلحة العامة عندما يرى من الضرورى عدم التوسع فى الائتمان، فيطلب من البنوك التقليل من منح الائتمان لبعض القطاعات دون اللجوء إلى اتخاذ إجراءات كمية مثل رفع سعر الخصم أو رفع نسبة الاحتياطى.
قد يلجأ البنك المركزى إلى إصدار تعليمات بزيادة هامش الضمان المطلوب من العملاء فى الاعتمادات المستندية أو خطابات الضمان، وذلك تبعاً للظروف الاقتصادية السائدة. ففى حالة الانتعاش الاقتصادى قد يطلب البنك المركزى من البنوك رفع هذه النسبة والعكس صحيح فى حالة الكساد من أجل تشجيع الاستثمار.
وقد يقوم البنك المركزى بمراقبة الائتمان الاستهلاكى بهدف الحد منه وتقليل النمو المستمر فى القدرة الشرائية لدى المستهلكين. فيقوم البنك المركزى بوضع قيود على القروض الاستهلاكية مثل عدم تجاوز القروض الاستهلاكية نسبة معينة من محفظة قروض البنك، أو وضع حد أقصى للقرض الواحد كنسبة مئوية من دخل المقترض.
وفى النهاية، ما يهم المواطن العادى والمستثمر أن ينجح البنك المركزى فى كبح جماح معدل التضخم. فتأثير ارتفاع معدل التضخم على ارتفاع الأسعار وتآكل المدخرات والتأثير على الاستثمار يجب أن يكون الأولوية المطلقة للبنك المركزى.