حينما قرأت نبأ تصدر مصر قائمة دول أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط فى تقديم خدمات التعهيد، تذكرت المثل الذى كان يردده دوماً على مسامعى أساتذتى فى المدرسة الابتدائية «من جد وجد ومن زرع حصد».
وكان هذا المثل أكثر شيوعاً فى الإذاعة المدرسة فى فقرة حكمة اليوم أو حكمة الصباح، وها قد حصدت مصر أخيراً على تفوق يُثلج الصدور ويزرع الأمل فى مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
طالعتنا الأنباء فى وسائل الإعلام بتصدر مصر قائمة دول أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط بمؤشر جلوبال سيرفيسيز لوكيشن لعام 2017، الخاص بمؤسسة أيه.تى.كيرنى والذى يقيس قدرة الدول على تقديم خدمات التعهيد بفاعلية وكفاءة مما يساعد الشركات على اتخاذ قرارات بالاستثمار خارج حدود الدولة الأم للشركة، ولكن ما هو التعهيد وما هو المستقبل الذى ينتظر مصر من تقديم خدمات التعهيد؟
بصفة عامة التعهيد outsourcing هو أن يتعهد طرف (شركة أو متعهد) بتقديم خدمة إلى طرف آخر بمقابل مادى يتفق عليه الطرفين، فقد تلجأ إليه شركات عندما تعهد لجهات خارجية متخصصة بأداء بعض من أعمالها بالنيابة عنها، حتى تستطيع التركيز على أعمالها الرئيسية.
وقد يتم الاستعانة بمصادر خارجية بالتعاقد من الباطن لتصنيع مكونات منتج لتخفيض تكلفة الإنتاج، والاستخدام الأفضل للموارد، أو قد يتم نقل أعمال وخدمات تجارية من بلد إلى بلد آخر، نظراً لانخفاض تكاليف التشغيل والعمالة، ومن أشهر الأمثلة على التعهيد للاستفادة من تخفيض التكاليف قيام شركة مايكروسوفت بنقل العديد من أعمالها فى مجال تصنيع البرمجيات من وادى السليكون فى كاليفورنيا إلى مدينة حيدر آباد فى الهند، وبحسب بعض التقارير الصحفية تدر صناعة التعهيد فى البرمجيات على الهند نحو 15 مليار دولار سنوياً.
يرجع احتلال مصر لمركز متقدم فى مجال التعهيد لعام 2008 عندما أصدرت مؤسسة جارتنر الاستشارية العالمية الكبرى المتخصصة فى الاستشارات التكنولوجية تقريرها السنوى بعنوان «أبرز 30 دولة تقدم خدمات التعهيد»، حيث ورد فى التقرير أن مصر من بين أبرز 30 دولة على مستوى العالم فى تقديم هذا النوع من الخدمات.
تستطيع مصر أن تحقق مزيد من النجاحات فى مجال التعهيد نظراً لامتلاكها العديد من الميزات التنافسية. وفيما يلى أهم المميزات:
• تمتلك مصر موارد بشرية قادرة على التعامل مع الثقافات المختلفة والتحدث بلغات عديدة بلكنات محايدة، على عكس الهند التى تسودها اللغة الإنجليزية فقط، مما يجعل مصر فى وضع تنافسى لدى الشركات العالمية.
• فى ضوء ارتفاع تكاليف العمالة فى أوربا، فإن مصر تعتبر دولة منخفضة التكاليف التشغيلية مما يضعها فى مركز تنافسى مع دول أوربا الشرقية التى تقدم خدمات التعهيد.
• تشترك مصر فى منطقة زمنية متقاربة مع عدد من الدول الأوربية، مما يجعل التواصل أكثر سهولة فى إنجاز الأعمال.
على الرغم من هذا النجاح، إلا أنه مازال هناك فرص لتحقيق ما هو أفضل، لذلك يتعين على الحكومة زيادة الاستثمار فى البنية التحتية، خاصة فى الطرق السكة الحديد والمطارات التى سوف تجعل من مصر مكاناً أكثر جذباً للأعمال، كما يجب تشجيع التعليم الفنى والتوسع فى توفير خدمات الاتصالات.