اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة (54)..
لا شك أن تجربتى كأحد أعضاء مجلس أمناء إحدى مدارس اللغات الخاصة بالانتخاب عن أولياء الأمور لثلاث سنوات، كانت كفيلة للاطلاع على العديد من خبايا هذه المدارس وما يفكر فيه صاحب المال مقابل جودة التعليم وطبيعة المدرسين (من حيث الخبرات والصفات الشخصية) الذين يتم اختيارهم لأداء مهمة التعليم فى هذه المدارس.. إضافة إلى ذلك، خلفية أصحاب هذه المدارس ما بين مجرد صاحب مال أو مدرس اغناه الله فى بلاد الغربة وتدرج من مدارس عربى إلى مدارس لغات.. أو دكتور جامعى أولاه الله قدراً وفيراً من المال لإنشاء مثل هذه المدارس.. أو جَمْعٌ بين هذا وذلك.. صاحب مال مع ذى خلفية تعليمية..
المهم.. لا شك أن الربح هو المسوغ الأساسى لقيام مثل هذه المدارس.. ولا عيب فى ذلك، ولكن أن يصبح المال وتجهيزات المدرس هو المحك الرئيسى، هنا تصبح العملية التعليمية فى خطر، لأنه حينها لن ينظر إلى معيار الكفاءة فى اختبار المدرسين أو حتى الفريق الإدارى المتميز الذى يرفع من مستوى المدرسة، أن تتاح لك جميع المزايا المالية والتجهيزية والمعدات للارتقاء بمستوى خريجى المدارس الخاصة اللغات، دون أن تعمل إلى تخرج نوعية متميزة عالية الجودة من الطلاب، فانت يا صاحب الدراسة أصبحت عالة على التطوير التعليم، بل أسأت بتعمد لهذه المنظمة العظيمة التى دونها لن تتقدم الأمم.
هل يعقل أن تأتى مدرسة لغات أنشئت خصيصاً لإكساب الطالب مهارات اللغة اللازمة (تحدثاً وقراءة وكتابة بجودة عالية) بمدرسين يدرسون اللغات الأجنبية والعلوم والحساب «الرياضيات» بلغة أجنبية يكونون دون المستوى من حيث اللغة، وإذا تنازل أولياء الأمور عن مستوى اللغة فى الرياضيات والعلوم فلا يمكن أن يتم التنازل عن أن يكون مدرس اللغات الأجنبية من المتقنين لها جداً، ومن ذوى الخبرات، ولماذا سموها مدارس اللغات ورسومها تتراوح بين 17-23 ألف جنيه وليس الدولى «الأمريكى أو البريطانى أو الكندى»، والذى تتعدى رسومها الـ50 ألف جنيه للطالب وتتخطى فى بعض الأحيان الـ 100 جنيه وصولاً إلى 200 ألف للطالب).. دون رقابه فاعلة على جودة التعليم أو رسوم المدرسة أو الأخلاقيات التربوية.
ان أبناء الطبقة المتوسطة يتوزعون بين المدارس الخاصة اللغات وبين المدارس الدولية كل بحسب مقدرته، وكل أسرة ترغب فى أن ينال ابناؤها من التعليم الجيد نصيباً محترماً، يدرأ عنهم تعديلات سوق العمل فى المستقبل ليتسلحوا بالأدوات التى تمكنهم من التنافس على الجامعات ومن ثم سوق العمل، فلم يعد كثير من أصحاب العمل والشركات يوظف خريجين دون لغة أو حاسب إلى «كميوتر».. وامتد البعض إلى الخوض فى الجانب والمظهر الاجتماعى، وهنا أشفق على خريجى المدارس الحكومية التى تتصف فصولها بالكثافات العالمية وتخريج أعداد مهولة من الطلبة إلى الجامعات ومن ثم سوق العمل..
إذا كانت الخاصة التى يتم دفع مصاريف مرتفعة لها تبخل فى الأتيان بالكفاءات وهى مدارس لا تحتاج دعماً حكومياً، يصل تعداد الأطفال فى الفصل بين 30 و35 طفل بحجة أن الوزارة تجبرهم على تحمل تلك الأعداد، فهنا يثور التساؤل لماذا تحاسب الوزارة هذه المدراس على الأعداد ولا تحاسبها على تقديم الخدمة العالية مقابل الرسوم التى يأخذونها، ولماذا يبخل أصحاب المدارس فى الإنفاق على رفع جودة التعليم فى مدارسهم.. رغم أن الرسوم التى يحصلون عليها تحقق ربحاً رهيباً لهم.
إلى السادة أصحاب مدارس اللغات، عليكم بالآتى:
– راعو ربنا فى تقديم خدمة تعليمية متميزة لأن الآباء والأمهات طالع عينيهم فى تدبير هذه الأموال، وعدم التعامل بمنطق اللى مش عاجبه ياخد ابنه او بنته ويمشى والتفاخر بوجود قائمة انتظار.
– اعملوا على تحسين جودة الخدمة التعليمية والأنشطة والألعاب والمسرح والفنون والموسيقى والرحلات لطلاب المدرسة.
– اهتموا بالأخلاق والتربية السليمة الذهنية والجسمانية والعملية.
– ابتعدوا عن التلقين والصم ووسعوا من مدارك الطلاب ونمو مهارة التفكير والإبداع.
– استخدموا الأدوات التفاعلية multimedia interaction tools.
– اهتموا بصيانة المدارس والتكييفات والخدمات المعاونة.
– اعملوا على تنمية ثقافة القراءة والاطلاع وتنمية روح المسئولية الاجتماعية للطلاب.
– تنظيم تدريس المناهج على جدول زمنى دون ضغطه فى نهاية العام بحجة ان الوزارة بتقول خلصوا بدرى والطلاب وأهاليهم يلبسوا فى الحيط.
أصحاب المدارس الخاصة لديكم من الأموال والتجهيزات ما يساعدكم على ذلك، فراعوا ضمائركم واهتموا بالتطوير.. إن هناك بيوتاً مفتوحة اقتطعت جزءاً كبيراً من دخولها من أجل ذلك، فراعوا الله فى أولادنا وما ندفعه لكم من أموال من أجل تقديم خدمة تعليمية متميزة.
وإلى وزارة التربية والتعليم لا تتدخلى فى تحديد عدد الطلاب فى الفصل داخل المدارس الخاصة أو الضغط فى إنهاء المناهج قبل الجدول الزمنى المعد له مسبقاً عندنا 12 شهراً فى سنة.. اتعلموا من الأجانب فى تنظيم الوقت.. فى مدارس بدأت بـ 24 طالباً وبزيادتها وصلت إلى 30 و36.. ليه؟.. اهتمى يا وزارة التربية والتعليم بجودة المخرج التعليمى (الطالب) وليس بعدد الطلاب الذين يتم تخريجهم.. كفانا الأعداد الموجودة فى فصول المدارس الحكومية.. اهتموا بالرقابة على الجودة والأسعار، ولا تحددى سعر الرسوم لتلك المدارس على أساس تجهيزات المدرسة فقط.. التقييم والتسعيير يجب أن يتم بناءً على جودة البناء والتجهيزات ومناهج ومخرجات العملية التعليمية، فما فائدة مبانى وتجهيزات جيدة مقابل عملية تعليمية وتربية لا ترقى لهذه التجهيزات والرسوم العالية التى تدفع.. بالبلدى كدة إحنا بندفع فلوس مقابل خدمة متميزة.. فارحمونا يرحمكم الله..
وما نبغى إلا إصلاحا..