منذ أن بدأت الإدارة الجديدة للبورصة المصرية عملها بدأ جلياً أهمية المكوّن المعرفى فى نسق أولويات رئيس البورصة ونائبه.
شهادتى مجروحة فى الرجلين لأن صداقة قديمة تجمعنى بهما، وربما فاجأ هذا المقال كليهما لعلمهما أنى نادراً ما أتطرّق إلى المسائل المتعلقة بمجال عملى فى كتاباتى.
المكوّن المعرفى بدأ تعزيزه فى سرعة الاهتمام بالتدريب، وفى تخصيص الإمكانات اللازمة لإعادة تأهيل الكثير من العاملين بل والأطراف المتعاملة مع البورصة فى مختلف المجالات.
الإدارة الرشيدة تستلزم إدراكاً لعظم تأثير رأس المال البشرى فى أى منظومة يراد لها التطوير والتقدم.
رئيس البورصة يوقّع اتفاقاً مع وزير التربية والتعليم (الرجل صاحب الرؤية والجرأة والتصريحات الصادمة) من أجل نشر التوعية المالية فى المقررات الدراسية، هذه خطوة محترمة غير مسبوقة ولم يصحبها ضجيج إعلامى اعتدناه فى اتفاقات مشابهة، بما يؤكد حرص صاحبها على ترك بصمة حقيقية فاعلة فى مجال نشر الثقافة المالية، بل وعلوم التمويل بين طلبة المراحل الإعدادية والثانوية.
نائب رئيس البورصة يجوب المحافظات حرصاً على تحقيق الشمول المالى انطلاقاً من حملات توعية وورش عمل موسّعة.
حينما تظهر جهود المسئولين فى ملفات شديدة الاتصال بالواقع المعيش، قليلة التماس مع عدسات الإعلام وتعليمات القيادات، فإنه يتعين على الجميع تقدير تلك الجهود.
أى واقع أشد مرارة من انتشار الأمية بنِسَب تزيد على 25% فى التعداد السكانى الأخير! وهو التعداد ذاته الذى كشف عن نسبة منخفضة للحاصلين على مؤهلات جامعية خلافاً لما كان شائعاً.. هذا بالطبع فضلاً عن عجز بيانات التعداد عن حصر حالات الأمية المقنّعة التى تترك طالباً جامعياً لا يعرف كيف يضبط سطراً يُقرأ، وطالباً فى المرحلة الثانوية يكتب اسمه بشق الأنفس! وبالتأكيد هذا التراجع فى جودة المحتوى لم تسلم منه جامعاتنا ذات التصنيف المتأخر جداً بين جامعات العالم، وذلك كله ينعكس على تراجع تنافسية المنتج البشرى المصرى، وتراجع إنتاجيته وقدرته على المنافسة فى سوق العمل كمحصلة طبيعية لانفصال المحتوى التعليمى عن سوق العمل ومتطلباته.
التغيير فى أى موقع قيادى لا يستحق وصف تغيير، إلا إذا نتج عنه إدراك أفضل لاحتياجات البيئة ومتطلبات تطوير النسق العام الذى تعمل فيه المؤسسة، إضافة منتجات وأدوات مالية جديدة، زيادة السيولة، تدعيم الدور الرقابى ووضع إطار عام لإدارة المخاطر، التطوير المؤسسى والتقنى والتشريعى، كل تلك الأهداف الهامة المطلوبة لتطوير سوق المال فى مصر تستلزم عنصراً بشرياً مؤهلاً لاستيعابها وتعظيم الاستفادة منها.
هناك الكثير الذى يتوقعه أطراف السوق والمجتمع المصرى كله من قيادات سوق المال الجديدة، لكن تقديم التوعية والتعليم والمعرفة بمفهومها الشامل، وتقديم التنمية البشرية وأهداف التنمية المستدامة على سائر أولويات التحديث هو أمر ضرورى يستحق الإشادة والتقدير.
نائب رئيس لجنة الاستدامة
الاتحاد العالمى للبورصات