
لم يكن حادث السطو المسلح الذى وقع مطلع هذا الأسبوع على فرع البنك الأهلى المصرى بالعريش، والذى راح ضحيته ثلاثة من رجال الشرطة الأول من نوعه، إلا أنه يُعد الأخطر على الإطلاق والأكثر عنفاً فى تاريخ الهجمات على البنوك وشركات الصرافة. والجديد فى هذا الحادث الآثم أن منفذى عملية السطو على البنك هم من العناصر الإرهابية الخطرة، وأنهم فى سبيل تحقيق غايتهم لم يعبأوا بأرواح المدنيين الأبرياء ونجحوا فى الاستيلاء على مبالغ نقدية تقدر بنحو 10 ملايين جنيه بحسب تصريح مسئولين فى البنك الأهلى المصري. وبعد هذا الحادث الإرهابى أتوقع أن يُشكل الملف الأمنى هاجساً يؤرق البنوك، بل يمتد ليشمل شركات الصرافة ومكاتب البريد وغيرها من الأنشطة الأخرى التى تعتمد على النقد بحكم طبيعة معاملاتها.
خلال الأعوام التى أعقبت ثورة يناير 2011 ارتفعت وتيرة جرائم السطو المسلح على البنوك وشركات الصرافة وسيارات نقل الأموال عن ذى قبل. فقد تعددت حوادث السطو المسلح على البنوك. على سبيل المثال لا الحصر، حادث بنك الائتمان الزراعى فرع قليوب فى عام 2016، والبنك التجارى الدولى فرع مدينة السادات فى عام 2015، وفرع بنك إتش إس بى سى بالتجمع الخامس فى عام 2012، إلى جانب عدد آخر من الحوادث المتفرقة للسطو المسلح على شركات الصرافة وسيارات نقل الأموال.
لا تنحصر جرائم السطو المسلح على مصر فقط بل تكاد تكون قاسما مشتركا فى جميع ما يطلق عليه بدول «الربيع العربي» نتيجة للانفلات الأمنى ودخول عناصر إرهابية ساحة الجريمة لحاجتها للمال من أجل تمويل العمليات الإرهابية، وتوفير تكاليف الدعم اللوجيستى للإرهابيين. كما امتدت هذه الحوادث إلى دول عربية أخرى خارج نطاق دول «الربيع العربي». ولعل ما يحدث حالياً فى اليمن هو أكبر مثال على استهداف الإرهابيين للبنوك من اجل تمويل الإرهاب. فقد أعلنت عدة بنوك يمنية فى مدينة عدن أنها ستغلق أبوابها ثلاثة أيام وستوقف خدمات المقاصة فى خطوة احتجاجية بعد تعرضها لسلسلة من جرائم السطو المسلح. وفى ليبيا هاجم مسلحون شاحنة لنقل الأموال تابعة لبنك ليبيا المركزى فى مدينة سرت واستولوا على أكثر من 54 مليون دولار. كما تعرض بنك «بيبلوس» فى لبنان لعملية سطو مسلح، حيث تمكن الجناة من الاستيلاء على ما يقارب الأربعين مليون ليرة لبنانية. كذلك هاجم مسلحون بنك سوريا الدولى الإسلامى واستولوا على مبلغ 80 مليون ليرة سورية. هذه الأمثلة من حوادث السطو المسلح هى مجرد عينة تشير بقوة إلى أن الإرهاب أصبح يجد فى أموال البنوك غنيمة مستباحة استناداً على عقيدته الفاسدة التى تستبيح أموال البنوك باعتبارها أموالا ربوية لا حرمة لها فى دولة كافرة.
إذَنْ فالمشكلة تستدعى إعادة النظر فى المنظومة الأمنية برمتها، سواء من جانب الجهات الأمنية، أو البنوك وشركات الصرافة، وغيرها من الأنشطة التى أصابها وبال الإرهاب وتنظيماته وجرائمه.
المعلوم أن البنوك وشركات الصرافة تستعين بشركات أمن خاص إلى جانب أفراد الأمن الذين تكلفهم وزارة الداخلية بحماية هذه المنشآت. وبالطبع قد لا تتوفر الحماية الأمنية لجميع المنشآت أو ليس بالقدر الملائم. والمعيار لتحديد مدى ملاءمة الحماية الأمنية يقاس بتأهيل فرد الأمن بدنياً وذهنياً لمواجهة حوادث السطو المسلح، واستخدام التقنيات الحديثة ونظم المراقبة بالكاميرات، وربط المنشآت بأجهزة اتصال مع الجهات الأمنية ترسل إشارة إنذار فور حدوث الخطر. وبالتالي، فإننى أشعر بقلق قوى من أن هذه الأمور تُغطى بشكل ملائم فى إطار المنظومة الأمنية الحالية.
ومن ناحية أخرى، يطالب خبراء أمنيون ببناء «دشم» أمام البنوك وتسليح أفرد الأمن داخل وخارج البنك وتدريبهم على مواجهة حوادث السطو المسلح. غير أنى أتساءل هل يوجد فى أى دولة فى العالم «دشم» أمام البنوك لصد الهجوم المسلح؟ وهل تحويل مقار البنوك إلى ما يشبه ثكنة عسكرية هو الحل الأمثل؟ ليس لدى إجابة واضحة.
تجدر الإشارة إلى تقرير أصدره اتحاد المصرفيين البريطانيين أوضح أن عدد حوادث السرقة التى تعرضت لها البنوك البريطانية قد تراجع بأكثر من 90% خلال السنوات العشر الأخيرة. ويرجع السبب فى ذلك إلى الكم الكبير من الاختراعات التكنولوجية الحديثة فى مجال الأمن الإلكتروني. فالبنوك مزودة بدوائر تليفزيونية مغلقة حديثة، ومنها ما هو مصمم خصيصاً ليتسبب بنوع من الدوار ويحدث ضبابية فى الرؤية للمجرمين ومن ثم يؤدى إلى تفريقهم. وإلى جانب الإجراءات الأمنية، تراعى البنوك الاحتفاظ بكميات أقل من النقود السائلة فى مقارها.