كشفت الهجمات الإرهابية الأخيرة فى مصر والمنطقة العربية عن اتجاهات غير تقليدية لتحول الإرهاب إلى أساليب غير تقليدية للحصول على الأموال لدعم عملياته. فبينما تغير عدد ونوع الجماعات الإرهابية والتهديدات ذات الصلة بمرور الوقت، ظلت الحاجة الأساسية للإرهابيين إلى جمع الأموال ونقلها واستخدامها هى نفسها، ومع ذلك، ومع تطور حجم المنظمات الإرهابية ونطاقها وهيكلها، تطور أيضاً أساليبها فى جمع الأموال وإدارتها.
للمنظمات الإرهابية احتياجات مختلفة، تختلف بحسب ما إذا كانت كبيرة أو صغيرة أو تتألف ببساطة من شبكة من الأفراد الذين يبدو أنهم يعملون كالذئاب المنفردة، فالمنظمات الإرهابية بحاجة ماسة إلى الأموال ليس فقط لتغطية الاحتياجات التشغيلية بل أيضاً للدعاية والتجنيد والتدريب والإعاشة.
بوجه عام، فإن الاحتياجات المالية العامة للمحافظة على بنية تنظيمية ومقاتلين وتنفيذ العمليات فى منظمة إرهابية عادة ما تكون مرتفعة جداً وهذا أمر له أهمية خاصة بالنسبة للمنظمات الإرهابية الكبيرة، ولاسيما المنظمات التى تهدف إلى السيطرة على الأراضى وحيازتها، وبما أن أموالها ترتبط ارتباطاً مباشراً بقدراتها التشغيلية، فإن هذه المنظمات الإرهابية تسعى إلى ضمان مستوى مستقر من جمع الأموال.
فى الغالب يستخدم العناصر الإرهابية الأساليب التقليدية، ولا سيما التمويل الذاتى لجمع الأموال التى تحتاجها للسفر إلى مناطق العمليات. ومع ذلك، فإن الجانب الجديد هو التحدى القائم على صعوبة تحديد هؤلاء الأفراد بسبب الكميات المنخفضة نسبيا من التمويل التى يحتاجونها والسرعة التى تمكنهم من الحصول على الأموال.
تتلخص الوسائل التقليدية لتمويل الإرهاب فى التبرعات الخاصة؛ إساءة استخدام المنظمات غير الربحية وإساءة استخدام أموال التبرعات؛ حصائل النشاط الإجرامى، الابتزاز وترهيب المدنيين بدفع أموال، استخدام أموال المشاريع المملوكة للمتعاطفين فكرياً مع المنظمات الإرهابية؛ والتمويل من الدول راعية الإرهاب.
تشير التقارير الأمنية أن عدداً كبيراً من عناصر الإرهاب تتسلل إلى سيناء عبر الحدود مع قطاع غزة من خلال أنفاق سرية منتشرة على الحدود. كما أن الإرهابيين يتسللوا إلى الصحراء الغربية عبر الحدود الشاسعة مع ليبيا ويسلكوا دروب الصحراء ليتستروا فى غياهب مغارات يصعب الوصول اليها.
ولهؤلاء الإرهابيين الأجانب احتياجات تمويلية تعتبر متواضعة وتشمل النقل، والإقامة أثناء التنقل إلى مسرح العمليات، ومصاريف لتغطية نفقات الاعاشة والطعام وغيرها من نفقات المعيشة العامة، ومن المرجح أن يكون للإرهابيين بعض متطلبات مالية أخرى قبل الوصول إلى منطقة العمليات مباشرة، بما فى ذلك شراء الأسلحة.
الجديد فى العمليات الإرهابية الأخيرة هو السطو المسلح على البنوك وسيارات نقل الأموال وشركات الصرافة فى إشارة واضحة إلى معاناة التنظيم الإرهابى من شح التمويل الوارد من الخارج، فاللجوء إلى استخدام العنف المسلح هو نهج جديد نسبياً فى حوادث الإرهاب فى مصر.
وتجدر الإشارة إلى تقرير صادر عن مجموعة العمل المالى لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قد رصد اتجاهات حديثة لتمويل الإرهاب، ومنها استخدام شبكات التواصل الاجتماعى، فهناك نقاط ضعف كبيرة مرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعى، بما فى ذلك عدم الكشف عن هوية المستخدمين، والقدرة على الوصول إلى نطاق أوسع وعدد أكبر من الجهات الراعية أو المتعاطفة مع الفكر المتطرف، والسهولة النسبية التى تسمح تدمج بها آليات الدفع الإلكترونية، ومن الواضح أيضاً أن المتبرعين غالباً لا يدركون الاستخدام النهائى للأموال التى دفعوها من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، مما يشكل ثغرة يمكن للمنظمات الإرهابية أن تستغلها.
لقد استغلت الجماعات الإرهابية إمكانية الوصول الواسع النطاق إلى الإنترنت وصعوبة التعرف على الهوية الحقيقية لمستخدمى شبكات التواصل بالإضافة إلى التوسع السريع فى وسائل التواصل الاجتماعى، لجمع الأموال من الأفراد المتعاطفين فى مختلف الدول، ويشكل ذلك تحدى كبير فى منظومة تمويل الإرهاب.
تستخدم المنظمات الإرهابية على نطاق واسع شبكات التواصل الاجتماعى لنشر دعايتها الإرهابية والتواصل عالميا مع المتعاطفين معها، فالعديد من الإرهابيين الأوروبيين يستخدمون بكثافة شبكات التواصل الاجتماعى لتوثيق تجربتهم فى منطقة العمليات الإرهابية فى نفس توقيت تنفيذها.
وبدلاً من الاعتماد على الحسابات الرسمية التى تقدمها الجماعات الإرهابية، فإن معظم هؤلاء الإرهابيين يتلقوا التعليمات المشفرة من خلال شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي. أما المتعاطفين مع الفكر الإرهابى – فهم غير منتسبين رسمياً إلى منظمة إرهابية ولكنهم يتعاطفون مع الأيديولوجية وينشرون رسائل تعاطف تستثمر بشكل كبير فى الصراع.
وتستخدم شبكات التواصل الاجتماعى لتنظيم حملات جمع التبرعات. فهناك حملات جمع الأموال الواسعة النطاق والمنظمة تنظيما جيداً، والتى تهدف إلى تمويل الإرهاب بمبالغ كبيرة من خلال الوصول إلى عدة آلاف من المتعاطفين مع الفكر المتطرف. ويمكن للمنظمات الإرهابية الآن التواصل مع جمهور كبير من المتعاطفين من خلال التواصل الذى يبدأ بوسائل مثل الدردشات والمنتديات، ويمتد عبر شبكات التواصل الاجتماعى (مثل فسيبوك وتويتر وإنستجرام)، وأحياناً ما يمر عبر تطبيقات الهاتف المحمول للاتصال.
لذلك تقوم عدة دول فى إطار منظومة مكافحة تمويل الإرهاب برصد شبكات التواصل الاجتماعى واختراق المكالمات عبر التطبيقات الصوتية. فبينما يهاجم أنصار الحريات ما يطلقوا عليه انتهاك الحرية الخاصة للأفراد، هناك هدف أسمى وهو حماية الوطن من الإرهاب الذى استشرى حول العالم وانتهك حياة الأبرياء دون مراعاة لحرمة الدم.