اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 58…
لا يمكن أن يعمل الاقتصاد بمعزل عن السياسة.. وكلاهما يمكن القول أنهما وجهان لعملة واحدة.. لا يستوى الاقتصاد بدون سياسة ولا السياسة بدون اقتصاد.. وما يحدث فى العالم صراع بين هذا وذاك أو تحالف وتعاون بين هذا وذاك أيضاً.. وما مر على مصر والدول العربية خلال عقود سابقة أو حتى خلال الفترة الأخيرة خير دليل على ذلك..
وما حدث فى الممكلة العربية السعودية الشقيقة من توقيف لعدد كبير من الوزراء ورجال الأعمال ذوى المحافظ المالية الكبيرة التى لها استثمارات مباشرة وغير مباشرة فى العديد من الدول العربية والأجنبية.. لا يمكن أن يمر مرور الكرام دون الحديث عن أثر قرار الدولة السياسى بتوقيف هذا العدد «اللى يخض بصراحة» أى انسان يعمل بالاقتصاد والاستثمار.. وتبعات هذا القرار على السوق السعودى أو الأسواق الأخرى التى تعمل بها استثمارات هؤلاء الموقوفين.. فاستعراض أسمائهم كافٍ لأن يقف عنده العقل للتفكير ملياً بالتبعات الاقتصادية لهذا القرار السياسى.. والسؤال حول ما هى العوامل السياسية التى دفعت للتأثير على مكونات الاستثمار والاقتصاد السعودى..
هذه الاسماء لديها من أموال تريليونات الدولارات.. فإذا تذكرنا ماحدث مع بن لادن منذ واقعة الرافعة فى الحرم المكى سنجد حجم الخسائر التى تعرضت لها بن لادن نتيجة هذه الحادثة الكبيرة جداً، لأنه تم توقيف حجم أعمال كثيرة لها نتجية لذلك…. تخيل ماذا سيحدث للسوق السعودى والأسواق العربية والأجنبية التى تعمل بها أموال الموقوفين سيكون الأثر السلبى كبيراً إذا استمر توقيف تلك الأموال.. وقد يكون أشبه بزلزال اقتصادى تابع لزلزال سياسى قوى حدث فى يوم وليلة.
هذه الزلازل تعبر عن صراع مكتوم بين القوى السياسية والاقتصادية ظل لفترة حتى ظهر على السطح وليس وليد اليوم، ولكنه كان مكتوماً وانفجر من سخونة كتمانه، فلم تعد الدواخل قادرة على تحمله فكان لزاماً أن يظهر على السطح.. وسيعيد تشكيل خريطة الاستثمارات والاقتصاد على مستوى السوق السعودى والمنطقة العربية.. هذا هو الاقتصاد السياسى الذى أتحدث عنه..
العالم بعد أن أصبح مثل القرية الصغيرة نتيجة الثورة المعلوماتية التى أتت بآثارها على العولمة بجميع مجالاتها ولاسيما الاقتصادية.. فما حدث من عدم استقرار فى المنطقة العربية أصاب اقتصادات دول بأكملها فى مقتل.. بل وفى بعض الأحيان دمرت دول وأصبحت فى حاجة إلى إعادة إعمار، وأثرت على اقتصادات دول مجاورة.. لا يمكن القول إن ما يحدث داخل دولة لن يؤثر على العالم بأجمع.. حتى صناعة البترول تحركها السياسية وصراعاتها..
إن صراع السياسة والاقتصاد سيظل وكذلك الأمر بالنسبة لتحالف وتعاون السياسة والاقتصاد.. ويحكم ذلك المصالح والعوائد المتوقعة من هذا أو ذاك.. سواء داخل الدولة أو حول العالم.. فاختلاق الحروب والنزاعات صناعة سياسية تحترفها الدول التى تشعلها أو لها مصلحة من ورائها، فالمركب الصناعى العسكرى (كبار منتجى السلاح) فى أمريكا يلعب دوراً كبيراً فى توجيه دفة السياسة الداخلية أو الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، واللوبى الاقتصادى اليهودى يؤثر فيها كذلك.. ولا شك أن رحلات السياسة الخارجية لقادة الدول ترى على قائمة أولوية أجندتها الأبعاد الاقتصادية.. فزيارة ترامب للسعودية أفاضت عليه باتفاقيات تخطت الـ400 مليار دولار، وأوضاع عدم الاستقرار السياسى فى العراق وسوريا واليمن وليبيا نشّطت جميعها علميات بيع وشراء السلاح بجميع أنواعه ومستوياته المتطورة لدى دول المنطقة.. وصراع الدول الكبرى على النفوذ الدولى على دول منطقة الشرق الأوسط أذكت من نار عدم الاستقرار وتأجج الصراعات الداخلية والدولية وتنشيط حركة الدولارات نحو بيع وشراء السلاح وزعزعة استقرار الدول، مما أثر على مسيرة التنمية فى الدول التى حدثت بها الصراعات أو المحيطة بها متأثرة بهذه الأوضاع السياسية، وجعلها تعيد ترتيب أولياتها الانفاقية والاقتصادية.
وليست مصر بمعزل عن هذه الأحداث لأنها فى قلبها تتأثر وتؤثر بها.. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً (من خلال هجرة سكان الدول المتضررة وانخراطها فى المجتمع على المستوى الاقتصادى والاجتماعى)، مما يفرض تحديات كثيرة وجديدة تضيف إلى ما مرت به مصر من تحديات بعد يناير 2011.. حتى الآن وما تخللها من تداعيات قرارات نوفمبر 2016 وما بعدها وما تبعها من هزات اقتصادية واجتماعية أثرت على جميع مناحى الحياة الاقتصادية والاجتماعية.. أفراداً وشركات.
إن كثرة الأحداث السياسية وتنوعها فى محيط دولتنا مصر يفرض تحديات اقتصادية وسياسية كثيرة على مصر، ويبقى رفع درجة الاستعداد والتأهب على جميع الأصعدة مطلباً ملحاً لمواجهة جميع هذه التحديات.. بفريق يلعب باحترافية…. لأنها بلا شك تؤثر علينا على الأجل القصير والمتوسط.. وهو أمر جلل لدولة تحاول الخروج من غرفة الإنعاش الاقتصادى والسياسى فى ضوء التحديات المحيطة..
حفظ الله مصر.. وشعبها… وسلمها وأمنها..
وما نبغى إلا إصلاحا…