اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 60
تتنافس العديد من دول العالم للتأهل لتصفيات كأس العالم فتلعب الفرق الضعيفة والمتوسطة والقوية بنفس قواعد اللعب الخاصة بالفيفا.. لا تشتكى الصغرى ولا الكبرى بأن المنافسة غير عادلة.. وأن اعتبارات وظروف دولة تختلف عن غيرها من الدول ذات الإمكانيات والدخول العالية.. فتجد دولة أفريقية تصل وهى من الدول الفقيرة وذات المشاكل الاقتصادية الوفيرة.. الكل يلعب بنفس القواعد وتحدث المفاجآت عندما تصل دولة لنهائيات كأس العامل بل وتصل إلى أدوار متقدمة، وهى لا تتوافر لديها إمكانيات دول مثل إيطاليا أو إنجلترا أو هولندا أو الأرجنتين أو البرازيل أو إسبانيا ممن لديها كم ملاعب وفرق وعديدة ومحترفين فى كل البلدان.. وفى هذا العام نتفاجأ بعدم وصول إيطاليا وهولندا فى حين دولة مثل بيرو تتأهل لبطولة كأس العالم فى روسيا..
ما دخل الرياضة وكأس العالم بتقرير بيئة ممارسة الأعمال Doing Business Report ؟؟؟ إيه يا عم انت بتهذى ولا إيه؟؟.. بص ياسيدى تقرير بيئة ممارسة الأعمال عامل زى بطولة كأس العالم.. زى بطولة الشطرنج.. زى أى بطولة رياضية.. عشان تبقى من الدول اللى تتأهل وتحصل على مراكز متقدمة بتلعب بقواعد معروفة للكل وشطارتك إزاى تكسب بنفس قواعد اللعب.. وبفريق يهضم قواعد اللعب ولديه من الإمكانيات اللى تساعدك مع مدرب وقائد فريق يخليك تحقق إنجازاً.. فريق يفهم المنهاجية ويتحرك مع الأجهزة الحكومية المعنية منذ صدور التقرير سنوياً فى أكتوبر من كل عام ليرصد ويحسن من أدائه على المستوى المؤشرات الـ10 لأن التقرير يرصد الإصلاحات الفعلية خلال الفترة (مايو سنة سابقة – أبريل سنة لاحقة)، ويصدر (فى أكتوبر) من كل عام.. لذا لا بد من شرح المنهاجية وتسويق ما تنجزه الحكومة على صعيد تحسين الترتيب جيداً لمكاتب المحاماة والمحاسبة والاستشارات وغيرها ممن يملأون استمارات التقرير الخاصة بالمؤشرات.
وبالنظر إلى التطور التاريخى لترتيب مصر حسب الجدول التالى، فقد جاءت مصر على قائمة الدول العشر الأفضل من حيث عمق الإصلاحات خلال العام المالى 2006-2007 فى ترتيب بيئة ممارسة الأعمال الذى يصدر سنوياً عن البنك الدولى، لأنها استطاعت ان تحقق إصلاحات عديدة وبمنطق الأعمق والأسرع بطريقة Quick wins التى تمكنك من معرفة قواعد اللعب والتعلم السريع ومعرفة مناطق الضعف وفقاً للتقرير ولا تحتاج سوى تحرك على مستوى أقل من القانون والتفاعل مع القطاع الخاص بالتوعية بإشراكه فى اللعب من خلال الحوار المستمر لأنه المستهدف فى ملء الاستمارات.. فكانت النتائج إيجابية وسريعة.. حيث استطاعت حينها مصر التحرك على مستوى 5 مؤشرات (أنظر الجدول بالأسفل) جعلها تنتقل من المركز 165 على العالم إلى المركز 126 أى قفزت بمقدار 39 مركزاً وهو إنجازاً لم تحققه منذ ذلك الحين حتى وقتنا هذا..
ثم جاءت مصر أيضاً ضمن العشر الأوائل من حيث عمق الإصلاحات فى العام المالى التالى 2007-2008 (أى تقرير عام 2009) فى الترتيب رقم 10 من حيث عمق الإصلاحات.. لم تكن الأولى ولكنها كانت ضمن العشرة الأوائل من حيث عمق الإصلاحات، ومنذ ذلك الحين لم يذكر اسم مصر ضمن العشرة الاوائل، إلا أنها استمرت فى تحقيق الإصلاحات بوتيرة منتظمة لتصل أفضل مركز لها عالمياً على مستوى المؤشر الكلى (سهولة أداء الأعمال) بتحقيقها المركز 94 متخطية حاجز الـ100 ليأتى مؤشر بدء النشاط فى المركز الـ 18 عالمياً (العام المالى 2009-2010).. وهو أفضل ترتيب تحقق لمصر على الإطلاق على مستوى المؤشرات الفرعية (لمؤشر بدء النشاط) والمؤشر الكلى كذلك..
ولكن فوجئنا جميعاً باستمرار تراجع مصر حتى وصل فى التقرير الذى صدر مؤخراً (تقرير 2018) إلى 128 متراجعاً عن العام الماضى بـ 6 مراكز (122 وفقاً لتقرير 2017) وتراجع مؤشر بدء النشاط من المركز 39 فى العام الماضى إلى 103 فى تقرير 2018 الصادر خلال الشهر الماضى وهو تراجع رهيب.. بل تراجعت مصر فى ثمانى مؤشرات أنظر الشكل التالى:
نحن فى سباق ماراثونى سنوى به 190 دولة.. كل دولة ترغب فى تحسين ترتيبها وتعد نفسها وفريقها وأدواتها جيداً لهذا السباق.. يكفى أن السعودية تبنت استراتيجية قبل 2010 بسنوات معدودة سميت بـ 10X10 حيث كانت تستهدف أن تكون ضمن العشرة الأوائل فى عام 2010..
لا ننكر أن مصر وضعت التقرير على أجندة أولوياتها وأتمنى أن تتقدم، ولكن عليها أن تلعب بذكاء وبمنطق Quick wins جنباً إلى جنب مع خطة الإصلاح المنشودة على المدى الطويل.. عليها أن تستفد، مما فعلته سابقاً وكيف تعاملت بذكاء مع التقرير وكيف أنه فى عام 2005 استجاب الدكتور محمود محيى الدين ود. زياد بهاء الدين وفريق العمل حينها، والذى مازال جزءاً منه يعمل بهيئة الاستثمار حتى الآن – لتغيير الفكر من رفض النتائج إلى كيفية التعامل مع التقرير واللعب بنفس قواعد اللعب.. ولكل مجتهد نصيب..
وما نبغى إلا إصلاحا…