يوجد تاريخ طويل من الاتصال بين أفريقيا والصين منذ ستينيات القرن الماضى دعّمه تضامن بكين المناهض للاستعمار وبناء الأعمال الهندسية لاسيما خط سكك حديد تنزانيا الذى يبلغ طوله 1،860 كيلومتر ويربط بين زامبيا والساحل التنزاني.
وذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أن مستوى مشاركة الشركات الحكومية الصينية والقادة السياسيين والدبلوماسيين ورجال الأعمال وضع منذ عقود أساس الاستثمار فى القارة السمراء.
وأوضحت الصحيفة أن العلاقات الأفريقية الصينية كانت ثمرة لدفعة مدبرة من بكين، وبينما ينظر الأوروبيون والأمريكيون إلى أفريقيا على أنها مصدر قلق لعدم الاستقرار والهجرة والإرهاب وبالطبع المعادن النفيسة ترى الصين أنها فرصة للنمو والازدهار.
وتضم أفريقيا بين جنباتها ثروات متعددة على رأسها البترول والنحاس والكوبالت وخام الحديد بالإضافة إلى امتلاكها الأسواق للشركات الصينية وشركات البناء وهى أيضا وسيلة واعدة للنفوذ الجيوسياسى الصيني.
وقالت جينج كو، مدير مركز القوى الصاعدة والتنمية العالمية فى شرق مقاطعة ساسكس البريطانية، إن امتلاك الصين لما يصل مجموعه إلى 54 دولة صديقة مهم جدا بالنسبة لبكين.
ولكن يشتكى كثيرون بما فى ذلك بعض الأفارقة مما يرونه استيلاء الصين على ثروات أفريقيا من خلال الشركات التى تعمل وكلاء للدولة الصينية فى استخراج المعادن مقابل البنية التحتية والمالية التى من شأنها أن تزعزع استقرار الحكومات بسبب الديون الكبيرة.
وكانت هناك شكاوى مشروعة حول الشركات الصينية التى توظف عددا قليلا من السكان المحليين وإساءة معاملة الموظفين لديها وعدم الاهتمام بالبيئة.
وأوضحت جينج، أن انخراط بكين مع أفريقيا أكثر تعددا مما هو معترف به فى كثير من الأحيان فالصين استخدمت القارة تقريبا كمجال للاختبار، سواء من خلال بعثات حفظ السلام أو بناء الطرق والموانئ والسكك الحديدية التى تهدف إلى ربط جزء كبير من العالم النامى عبر طريق الحرير الجديد.
ووصف الصحفى الأميركى هوارد دبليو فرينش، أفريقيا بأنها أصبحت «القارة الثانية للصين» مضيفا أن القارة السمراء كانت حقل تجارب للصين يمكن أن تجرب فيها أشياء مختلفة فى بيئة منخفضة المخاطر وورشة عمل للأفكار التى لها الآن نطاق أكبر وأهمية استراتيجية.
وكشفت الصحيفة البريطانية عن العديد من الأرقام التى توضح مدى تحول سياسة الصين تجاه القارة ففى عام 2000 بلغت قيمة التجارة بين الصين وأفريقيا حوالى 10 مليارات دولار وبحلول عام 2014 ارتفع هذا المبلغ إلى أكثر من 20 ضعفا ليصل إلى 220 مليار دولار.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تساهم فيه الصين بحوالى سدس الإقراض لأفريقيا وفقا لدراسة من قبل مؤسسة «بروكينجز» الأمريكية.
ومن المؤكد أن الصين قد اجتذبتها موارد أفريقيا الوفيرة مثل البترول المنتشر فى العديد من البلدان مثل أنجولا ونيجيريا والسودان والنحاس من زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية واليورانيوم من ناميبيا.
وفى الشهور الأخيرة، يبدو أن الشركات الصينية بذلت جهودا لاقتحام سوق الكوبالت وهو أمر ضرورى لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية حيث اشترت حصصا بمليارات الدولارات من مناجم الكونغو، التى تعد أكبر منتج فى العالم.
ومع ذلك فإن العلاقة الناشئة بين الصين وأفريقيا تتجاوز بكثير السلع الأساسية فأثيوبيا تعد من أهم وجهات الاستثمار الصينى فى أفريقيا وهى بلد فقير يسعى إلى التنمية على الطريقة الصينية ولا تملك سوى القليل من الموارد التى تهم الصين ولكن موقعها الاستراتيجى وسوقها الكبير عزز نمو بكين السريع فى السنوات الخمس عشرة الماضية وجعله مستداما.
ومنذ عام 2000 كانت إثيوبيا ثانى أكبر مستفيد من القروض الصينية فى أفريقيا حيث بلغ تمويل السدود والطرق والسكك الحديدية ومصانع التصنيع أكثر من 12.3 مليار دولار وفقا لما ذكره باحثون فى جامعة جونز هوبكنز وهذا يزيد على ضعف المبلغ الممنوح للسودان الغارقة بالبترول والكونغو الغنية بالمعادن.
وانتشرت العلاقات الصينية الأفريقية فى مناطق أخرى ولدى بكين 52 بعثة دبلوماسية فى العواصم الأفريقية مقابل 49 تمتلكها واشنطن.
وتملك الصين أكبر عدد لقوات حفظ السلام فى القارة السمراء مع نشرها أكثر من ألفى جندى فى الكونغو وليبريا ومالى والسودان وجنوب السودان.
وأوضح جيفرى ساكس، مدير معهد الأرض والأستاذ بجامعة كولومبيا، أن الحماس الصينى الجديد أهم تطور لأفريقيا مضيفا أن بكين يمكن أن تساعد فى تحول القارة، ﻷنها تعرف كيفية بناء مشاريع كبيرة مثل السدود والموانئ والمطارات والسكك الحديدية وشبكات الاتصالات والطرق.
وفى جميع أنحاء أفريقيا رحب الناس بسياسة الصين حيث إن سياسة بكين الرسمية المتمثلة فى عدم التدخل تجعلها شريكا جذابا للقادة الأفارقة.
ومع ذلك أعرب البعض عن قلقه بشأن صعود النفوذ الصينى فى القارة وفى مقابلة مع صحيفة «فاينانشال تايمز» أعرب أوهورو كينياتا، الرئيس الكينى الذى استخدم المليارات الصينية والخبرة الهندسية فى إحداث دفعة ضخمة للهياكل الأساسية عن قلقه إزاء العجز التجارى لأفريقيا مع الصين.
وطالب الصين بأن تفتح أبوابها أمام افريقيا كما فعل الأفارقة فى الماضى.
وترغب الشركات الصينية فى أن ينظر إليها على أنها تنقل المهارات حيث تقوم شركة مثل «هواوي» التى تجنى 15% من إيراداتها العالمية فى أفريقيا بتدريب 12 ألف طالب فى مجال الاتصالات سنويا فى مراكز تقع معظمها فى أنجولا والكونغو ومصر وكينيا والمغرب ونيجيريا وجنوب أفريقيا.
وأكدت جينج على أن الصين ترغب فى أن ينظر إلى هذه العلاقة على أنها مفيدة للطرفين قائلة، إن بكين تتابع بنشاط استراتيجية التصنيع الأفريقية وفى المقابل تأمل فى نقل الإنتاج المنخفض الأجور إلى أفريقيا خلال السنوات العشر القادمة.