عقب أى عملية إرهابية فى مصر، كنت أضع يدى على قلبى خشية تأثير الحادث الإرهابى على الاستثمار والسياحة. لقد عانت مصر وكثير من الدول التى وقعت فيها عمليات إرهابية عواقب وخيمة استمر تأثيرها طويلاً، وأثرت على عدة قطاعات اقتصادية، أهمها السياحة وأسواق المال. فهل تضرب قبضة الإرهاب الأسود الاستثمار والسياحة مرة أخرى بعد مذبحة مسجد الروضة ببئر العبد فى بشمال سيناء؟
بادئ ذى بدء، لا تنحصر ظاهرة الإرهاب فى مصر ودول الشرق الأوسط فحسب، بل امتدت خلال عام 2016 و2017 إلى دول أخرى لم تعرف الإرهاب منذ عقود طويلة مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا والدنمارك وتركيا. أغلب الدول التى تعرضت لهجمات إرهابية عانت الانعكاسات السلبية التى خلفتها الأحداث بصور متفاوتة.
على سبيل المثال، تعرضت فرنسا خلال عام 2016 إلى خسائر مالية كبيرة؛ نتيجة تراجع السياحة الأجنبية؛ بسبب الأحداث الإرهابية التى ضربت البلاد خلال العامين السابقين حيث تمثل إيرادات السياحة نحو 7.5% من إجمالى الناتج القومى. وتصل خسائر تركيا إلى 12 مليار دولار أمريكى؛ بسبب التفجيرات الإرهابية. كما أثرت الهجمات الإرهابية فى بروكسل، بشكل ملحوظ على عائدات قطاع السياحة فى بلجيكا.
أما وقد انتشر الإرهاب فى عدة دول فى العالم، لم نر انهياراً لسوق المال أو هروب المستثمرين إلى أسواق أكثر أمناً واستقراراً. فالمجتمع الدولى أصبح أكثر إدراكاً، أن الإرهاب لا دين له ولا موطن ولا جنسية له. إذن الهروب من الدول التى وقعت فيها أعمال إرهابية أصبح خياراً عديم الجدوى؛ لأن الإرهاب قد يحدث فى أى وقت أو مكان ولا يمكن التوقع به. كما أصبح لدى المستثمرين قناعة أن الهروب من البلدان التى عانت حوادث إرهابية هو مكافأة كبرى للمنظمات الإرهابية، ويحقق أهدافها فى زعزعة الأمن وضرب الاقتصاد وإضعاف الدولة.
إذن الحل هو تكاتف الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب على جميع الأصعدة، والصمود فى مواجهته، وليس معاقبة الدول ضحية الإرهاب بمنح المنظمات الإرهابية شهادة تفوق على ما حققته من هدم للاقتصاد وتدمير لكيانات الأعمال وتشريد العمالة.
تشير التوقعات إلى أن الحادث الإرهابى الأخير الذى وقع مسجد الروضة ببئر العبد فى شمال سيناء لن يؤدى إلى هروب المستثمرين من سوق المال أو التأثير على السياحة. حتى وإن حدث بعض التأثيرات السلبية، فهى ستكون مؤقتة وتتمثل فى التريث فى ضخ أموال جديدة فى سوق المال، وهو رد فعل طبيعى، ويحدث فى أحوال كثيرة عقب حدوث أمور غير متوقعة تعكر صفو مناخ الاستثمار. والدليل على ذلك ارتفاع مؤشر البورصة فى بداية الأسبوع متجاهلاً حادث الهجوم الإرهابى فى شمال سيناء، وعدم إلغاء حجوزات السائحين من الخارج.
الإرهاب ظاهرة عالمية لا يوجد حل جذرى وفورى لها. قد يستغرق الأمر سنوات طويلة لعلاج أسباب الإرهاب على الصعيد السياسى والاجتماعى والدينى. ولكن يجب أن تتكاتف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب؛ حتى لا يدفع الاقتصاد الثمن ويجنى الإرهاب ثمرة عدوانه على الأخضر واليابس.