استضافت مصر المنتدى السنوى لتجمع دول السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا «الكوميسا»، تحت عنوان «أفريقيا 2017» للعام الثانى على التوالى، بحضور السيد رئيس الجمهورية وعدد من الرؤساء والقادة الأفارقة وكبار المسئولين المصريين ورجال الأعمال. وكان للقطاع المصرفى حضور متميز يعكس الاهتمام بفرص الأعمال الواعدة فى أفريقيا. فهل القارة السمراء على موعد مع البنوك المصرية؟
يعكس استضافة مؤتمر «الكوميسا» الذى عُقد فى مدينة شرم الشيخ على مدار ثلاثة أيام للدولة اهتمام مصر على المستوى الرسمى بتعزيز دورها فى القارة السمراء، واستعادة مكانتها التى تأثرت فى السنوات السابقة بالابتعاد عن التجمعات الأفريقية الاقتصادية الرئيسية، وهى الكوميسا والسادك واتحاد شرق أفريقيا.
هذه التجمعات تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادى لأفريقيا. فمصر حافظت على مكانة رائدة بين الدول الأفريقية منذ الستينيات من القرن الماضى، وكان لها دور بارز فى حركات التحرير فى القارة السمراء. وعلى الرغم من مرور فترات تقلص فيها دور مصر على صعيد العلاقات الأفريقية، لكنها تسير الآن بخطى ثابتة نحو استعادة دورها فى أفريقيا كخيار استراتيجى.
تلوح فى الأفق فرص مصرفية ضخمة غير مستغلة فى أفريقيا، ويتعين على البنوك فى مصر، أن تبحث عنها وتستغلها فى تنمية أعمالها خارج الحدود. فالخدمات المصرفية للأفراد فى أفريقيا تنبئ بوجود فرص واعدة لا ينبغى تجاهلها، باعتبار أفريقيا ثانى أكبر قارة فى العالم وثانى أكبر قارة مأهولة بالسكان يقطنها أكثر من مليار شخص عبر 56 بلداً. كما أن هناك مجموعة واسعة من الاتجاهات التى تشكل سوق خدمات التجزئة المصرفية فى أفريقيا، تشمل ثلاثة قطاعات رئيسية للسوق تتطلب اهتمام البنوك.
أولاً، وجود أعداد هائلة من السكان لا يملكون حسابات فى البنوك. وفقاً لتقرير صادر عن شركة ماكينزى، أكبر المكاتب الاستشارية فى العالم المتخصصة فى الاستشارات الإدارية، فإن 80% من مجموع السكان البالغين فى أفريقيا لا يستخدمون الخدمات المالية الرسمية أو شبه الرسمية. ويرجع ذلك لعدة أسباب، منها عدم إمكانية الوصول الجغرافى، وضعف البنية التحتية، حيث لا يوجد لدى العديد من الأفراد الذين يعيشون فى المناطق الريفية النائية حسابات مصرفية. ويضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة الخدمات المصرفية، ونقص المعرفة المالية، ما يخلق حواجز كبيرة جداً أمام الخدمات المصرفية للأفراد فى المناطق الريفية.
ثانياً، الطبقة الوسطى التى تشهد نمواً سريعاً، ما يؤجج الطلب فى قطاع الخدمات المصرفية للأفراد.
ثالثاً، قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر. وهذا القطاع ذو أهمية حاسمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فى المنطقة، ولكنه حرم حتى وقت قريب من تلقى المساعدة والدعم الذى تحتاجه من المؤسسات المالية من أجل النمو. بالإضافة إلى ما ذكرناه عن أسواق قطاع التجزئة المصرفية، هناك فرص ضخمة لتمويل التجارة الخارجية، والخدمات المصرفية للشركات، فضلاً عن تمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة.
بحلول عام 2050 ستكون أفريقيا موطناً لما يقدر بـ2.6 مليار شخص، فى حاجة ماسة إلى أموال لبناء وصيانة الطرق والموانئ وشبكات الكهرباء، وغيرها من المرافق. ووفقاً للبنك الدولى، يجب على أفريقيا أن تنفق مبلغاً ضخماً يقدر بنحو 93 بليون دولار سنوياً؛ لرفع مستوى بنيتها التحتية الحالية. بينما يكون الجزء الأكبر من هذه الأموال، حوالى 87%، مطلوباً لتحسين الخدمات الأساسية، مثل الطاقة والمياه والصرف الصحى والنقل.
ومع ذلك، يبدو من الصعب جداً توفير الأموال اللازمة لتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة على الصعيد المحلى. فى الماضى، بين عامى 2004 و2013، نجحت الدول الأفريقية فى إتمام 158 صفقة تمويل لمشاريع البنية التحتية أو الصناعية، بقيمة 59 مليار دولار، أى 5% فقط من المجموع المطلوب. وهذا يعطى مؤشراً بأن الحاجة إلى تمويل هذه المشاريع ما زالت قائمة، وتستحق الدراسة الجادة.
ولكن هناك العديد من العوامل، بما فى ذلك ضعف توقعات الأرباح، وعدم اليقين على الصعيد السياسى، تشكل تحديات أمام هذا التمويل لمشاريع البنية التحتية فى القارة الأفريقية. وهذا يعنى أن الاستثمار فى البنية الأساسية ربما ينظر إليه على أنه ينطوى على درجة عالية من المخاطر التى يجب دراستها جيداً، وتطوير الاستراتيجيات لتخفيف هذه المخاطر إلى أدنى مستوى ممكن.
من هذا المنطلق، أعلنت عدة بنوك مصرية عن تبنى استراتيجية جديدة فى المرحلة المقبلة تنسجم مع اتجاه الدولة فى تعزيز تعاونها مع الدول الأفريقية لما له من فوائد متبادلة بين الدول. لذلك تعتزم بعض البنوك الدخول فى السوق الأفريقية كسوق واعدة مدعومة بعضوية مصر فى الكوميسا، وحتمية تواجدها فى التجمعات الاقتصادية، ما يتيح لها نطاقاً واسعاً من الحركة فى دعم الصادرات والمشروعات والشركات المصرية ورجال الأعمال فى تلك الدول فى إطار الاتفاقيية، بالإضافة إلى استغلال الفرص السانحة فى سوق التجزئة المصرفية لما تملكه البنوك المصرية من خبرة فى هذا المجال، واستخدام التكنولوجيا المالية للوصول بالخدمات المصرفية إلى أوسع نطاق ممكن من المتعاملين.
إذن الكرة الآن فى ملعب البنوك المصرية لدراسة الفرص المتاحة فى أفريقيا واستغلالها بما ينسجم مع قدرتها التمويلية وقدرتها على تحمل المخاطر. فهل تستغل البنوك المصرية الفرصة؟