حين تتحول بلد كان يطلق عليها «سلة غذاء العالم» فى العصور القديمة إلى مستورد صافى لطعام أهلها، فمن الطبيعى أن نرى طوابير على أفران الخبز ومنافذ السلع الاستهلاكية وتحديثا لا ينتهى لمنطومة السلع التموينية فى محاولات مستمرة لسد الفجوة التى وصلت فى بعض الفترات إلى الاقتتال على أبواب المخابز.
مصر فى الوقت الحالى بلد مستورد لغذائها، وتتصدر السلع الرئيسية من قمح وزيوت ولحوم قائمة الواردات فى اختلال ملحوظ لميزان توفير السلع الأساسية للمواطنين يجعل الاعتماد على الاستيراد هو الحل الوحيد رغم أزمات سعر الصرف وتراجع سعر الجنيه.
محاولات الحكومة لسد الفجوة الغذائية لا ترقى لوتيرة النمو فى الاحتياجات ما جعل مصر نيابة عن عدد من الدول النامية المستوردة لصافى احتياجاتها من الغذاء ترفض المساس بأى من برامج الدعم المتاحة حالياً والتى تقدمها تلك الدول لدعم صغار مزارعيها للعمل على زيادة الإنتاجية وذلك خلال الدورة الحادية عشرة من المؤتمر الوزارى لمنظمة التجارة العالمية والذى عقد الشهر الجارى فى الأرجنتين.
وفقًا للمختصين فى قطاع الزراعة وتجارة السلع الأساسية فإن محاولات سد العجز فى إنتاج الغذاء تواجه عدد من التحديات أهمها محدودية المساحات المنزرعة من السلع الأساسية وبطء عمليات استصلاخح الأراضى وغموض السياسات الحكومية فى دعم المزارعين وعدم ملاءمة أسعار شراء المحاصيل لتكاليف الإنتاج.
«البورصة» فى ملف خاص ترصد معدلات تزايد فجوة الغذاء فى مصر من خلال التقارير الحكومية ومحاولات الدولة لحل الأزمة وتحذيرات المنظمات الدولية من توايد العجز فى «غذاء المصريين».
فجوة فى 7 منتجات غذائية رئيسية
الزيت الأعلى بـ87.5% والقمح 51%
تعانى مصر من فجوة إنتاجية فى مجموعة من أهم السلع الغذائية أبرزها على اﻹطلاق القمح والزيوت، رغم تسجيلها معدلات إنتاج جيدة فى عدد أقل من تلك السلع مثل اللبن واﻷرز.
وسجلت الفجوة الغذائية فى إنتاج الزيوت 87.5%، حيث توقف الإنتاج المحلى عند 310 آلاف طن نهاية 2016 -2017، فى حين تبلغ الاحتياجات السنوية 2.46 مليون طن.
وجاء محصول القمح فى المرتبة الثانية بين المحاصيل الأقل إنتاجًا بالمقارنة مع حجم الاستهلاك، ليبلغ 9.6 مليون طن وتصل الاحتياجات السنوية 19.5 مليون طن بعجز 51%.
وبلغت نسبة الفجوة فى اللحوم 49% بإنتاجية 357 ألف طن مقابل احتياجات المستهلكين السنوية البالغة 697 ألفً طن، تلاها الذرة بفجوة 44%، حيث تنتج مصر 8.06 مليون طن، وتستهلك 14.3 مليون طن.
وتصل الفجوة فى إنتاج السكر الأبيض والمكرر نحو 23.1% بواقع 2.27 مليون طن فى حين يصل الاستهلاك 2.95 مليون، تلتها الأسماك بنسبة 11% بإنتاجية 1.519 مليون طن مقابل استهلاك 1.707 مليون.
وجاءت فجوة إنتاج الدواجن فى المرتبة السابعة بنسبة 8%، حيث بلغ إجمالى الإنتاج 1.29 مليون طن يوميًا فى حين وصلت الاحتياجات إلى 1.39 مليون طن.
لكن هناك عدد من السلع الغذائية التى لا تعانى فيها مصر من فجوة مثل اللبن الخام الذى تنتج منه مصر إجمالى احتياجاتها 5.2 مليون طن، إضافة إلى اﻷرز الذى تنتج منه مصر 5.4 مليون طن سنويا، لكن تستورد عشرات الآلاف من اﻷطنان معظمها من اﻷرز الهندى والباكستانى «البسمتى».
المزارعون يتجاهلون الزراعات الرئيسية.. والسبب أسعار التوريد
العقارى: الحكومة عاجزة عن التسويق الجيد والمساحات المنزرعة فى تراجع
أبوالعلا: الأسعار لا تتناسب مع زيادة تكلفة الإنتاج والنقل
أدى تراجع أسعار توريد المحاصيل الزراعية وعدم قدرة الحكومة على وضع سياسات تسويقية جيدة تناسب تفتت الحيازات الزراعية، إلى تراجع المساحات المنزرعة بالمحاصيل الرئيسية التى بدأت بالقمح وانتهت مؤخرًا إلى المحاصيل السكرية.
وتصل مساحة الأراضى الزراعية فى مصر 9.7 مليون فدان موزعة على 4.4 مليون حيازة بنهاية العام المالى 2014 – 2015 وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
قال محمد العقارى، نقيب الفلاحين، إن المساحات المنزرعة من المحاصيل الرئيسية فى تراجع مستمر، بسبب عدم قدرة الحكومة على وضع نظام تسويقى سليم.
أضاف: «الفلاح من حقه أن يعلم سعر المحصول قبل الحصاد، وفى الفترة الأخيرة بدأ الفلاحون فى التحول لزراعة الخضراوات والفاكهة على حساب المحاصيل الرئيسية».
ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة، تراجعت المساحات المنزرعة من محصول القمح الموسم الماضى لتهبط إلى 3 ملايين فدان فقط مقابل 3.6 مليون فى الموسم السابق له.
كما تراجعت المساحات المنزرعة من بنجر السكر إلى 460 ألف فدان مقابل 520 ألفًا الموسم السابق له، و640 ألفًا قبلها، وتراجعت أيضًا مساحات القصب على مدار السنوات السبعة الأخيرة إلى 320 ألف فدان الموسم الجارى مقابل 500 ألف فدان فى عام 2010.
أوضح العقارى، أن تراجع المساحات المنزرعة من المحاصيل بشكل عام أدى لاعتماد السوق على الاستيراد لتلبية العحز، الذى يتخطى 10 ملايين طن من القمح و800 ألف طن من السكر سنويًا.
أشار إلى أن السوق المحلى يحتاج لزيادة طبيعية تتوافق مع الزيادة السكانية التى بلغت العام الحالى 104 ملايين فرد منهم 94 مليون داخل مصر.
وارتفع صافى الدخل الزراعى للفلاح بعد استبعاد مستلزمات الإنتاج ودون احتساب الأيدى العاملة وفقاً لبيانات وزارة الزراعة خلال الفترة بين العام المالى 2006 والعام المالى 2015 نحو 119% ليصل إلى 224 مليار جنيه مقابل 102 مليار جنيه.
كما ارتفعت القيمة العامة للإنتاج الزراعى بنحو 132% لتصل إلى 319 مليار جنيه بنهاية العام المالى 2015 مقابل 137 مليار جنيه بنهاية يونيو 2006.
ولكن يرى مجدى أبوالعلا، نقيب الفلاحين بمحافظة الجيزة، أن ارتفاع الإيرادات لا يتناسب مع الزيادة فى تكلفة الإنتاج.
وقال إن الحكومة رفعت أسعار المحاصيل الموسم الماضى بما لا يتناسب مع ارتفاع تكاليف الإنتاج التى نتجت عن قرارات الإصلاح الاقتصادى ومنها تعويم الجنيه والذى أدى لارتفاع أسعار كافة مستلزمات الإنتاج، بخلاف تكاليف النقل.
ووفقًا لخبراء زراعيين، فإن تكلفة الإنتاج ارتفعت بأكثر من 60% خلال العام الحالى فقط، رغم أن زيادة أسعار المحاصيل لا تمثل حتى 50% من هذه النسبة.
أوضح أبوالعلا، أن أحد حلول التسويق يتمثل فى تفعيل قانون الزراعات التعاقدية، والذى صدر بداية عام 2015، لكنه لم يتم العمل به بعد.
وقال الدكتور عبدالمنعم البنا، وزير الزراعة فى تصريحات سابقة لـ«البورصة»، إن الوزارة تعمل على وضع آليات لتفعيل القانون، وسيتم تطبيقها قبل بدء زراعة محاصيل الموسم الصيفى المقبل على أقصى تقدير.
أضاف أن الوزارة تدرس زيادة أسعار محصول قصب السكر فقط الفترة المقبلة، لكنها لم تتحدد النسبة بعد وسيعلنها مجلس الوزراء، فى حين تمت زيادة أسعار البنجر بالفعل من 400 إلى 500 جنيه للطن.
أوضح البنا، أن أسعار القمح تحدد وفقًا للأسعار العالمية، وسعر الصرف فى البنوك كما تم تسعير الموسم الماضى بين 555 و575 جنيهًا للأردب.
7.5 مليار دولار فاتورة واردات الغذاء فى 8 شهور من 2017
تحذيرات من ارتفاع الأسعار العالمية بعد صعود «البترول»
البنك الدولى يتوقع زيادات كبيرة فى أسعار المنتجات
مصر تحتل المركز الـ16 فى قائمة الدول المستوردة من أوروبا
محمد: الأمن الغذائى المصرى على كف عفريت
موسى: لايمكن زراعة كل ما نأكل ونواجه صعوبة فى زراعة محاصيل رئيسية
بلغت واردات مصر الغذائية 10.7 مليار دولار خلال أول 8 أشهر من عام 2017، تمثل 18.4% من إجمالى الواردات، وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
واقتطع الاعتماد على الاستيراد جزءا كبيرا من احتياطات مصر الدولارية خلال السنوات الأخيرة، ما أدى لتراجع احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى إلى 17 مليار دولار، والذى تعافى مع تحرير أسعار الصرف فى نوفمبر 2016 ليصل 36.7 مليار دولار نهاية الشهر الماضى.
لكن تحرير سعر الصرف صاحبه موجة تضخمية قفزت بمعدلات الزيادة فى تكلفة المعيشة بأكثر من 30%، جاء معظمها مدفوعًا بنمو أسعار السلع فى سلة الغذاء بنحو 40% خلال العام الماضى كونها من أكثر القطاعات اعتماداً على الاستيراد والأكثر حساسية لتقلبات سعر الصرف.
وتراجعت قيمة واردات السلع الغذائية بنحو 1.5% فقط خلال العام الماضى لتسجل 13.35 مليار دولار تمثل 19.9% من جملة الواردات، مقابل 13.55 مليار دولار تعادل 18.61% من إجمالى واردات 2015، وذلك رغم قرارات الحكومة لتحجيم الاستيراد.
وطبقت وزارة الصناعة نهاية عام 2015 قيودًا على الاستيراد لتخفيف العبء على موارد الدولار، واشترطت تسجيل المصانع المصدرة لمصر لدى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات ما قلص أعدادها لأقل من النصف فى أغلب القطاعات.
وارتفعت معدلات الاستهلاك المحلى من السلع بوتيرة أسرع من الزيادة فى الإنتاج، بسبب معدلات النمو السكانى فى الفترة بين 2006 و2015، التى زادت من 70 مليونا إلى 88 مليون نسمة.
وعلى سبيل المثال، ارتفع إنتاج القمح بنحو 17% خلال الفترة بين أعوام 2006 و2015، ليصعد من 8.2 مليون طن إلى 9.6 مليون طن، فيما زاد معدل الاستهلاك بنسبة 37.3% ليصل إلى 19.5 مليون طن بنهاية 2015 مقابل 14.2 مليون طن خلال 2006.
وتراجعت نسبة الاكتفاء الذاتى من المحصول الاستراتيجى من 57% بنهاية يونيو 2006 إلى 49% بنهاية الشهر نفسه من عام 2015.
ويبرز الخطر بإحصائيات (المركزى للإحصاء) فى نمو فاتورة الواردات خلال السنوات العشرة بنحو مرتين ونصف، كما يُفسر القفزة الكبيرة تراجع قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار من 5.7 جنيه فى 2006 إلى 7.8 جنيه فى 2015 وارتفاع الأسعار العالمية للسلع إلى جانب نمو أحجام الواردات نفسها لتغطية تزايد السكان.
وحذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» من ارتفاع تكلفة استيراد الأغذية عالميًا خلال العام الحالى بنسبة 6% مقارنة بالعام الماضى، لتصل إلى 1.4 تريليون دولار، وهو ثانى أعلى رقم قياسى يتم تسجيله.
وقالت المنظمة، إن تكاليف الشحن والنقل بعد ارتفاع أسعار البترول إلى 60 دولاراً للبرميل ستدفع الأسعار العالمية للصعود رغم وفرة الإنتاج.
وتُشير توقعات البنك الدولى لأسعار السلع الغذائية عالمياً إلى ارتفاع أسعار زيوت النخيل من 720 دولاراً للطن فى 2017 إلى 900 دولارًا بحلول 2030، وزيوت الصويا من 850 دولارًا للطن إلى 1000 دولار خلال الفترة نفسها.
وتنبأ البنك الدولى بارتفاع أسعار الذرة إلى معدلات قياسية لتسجل 210 دولار للطن مقابل 175 دولارًا حاليًا فى المتوسط، والقمح إلى 240 دولاراً للطن مقارنة بـ175 دولارا حاليًا.
وتوقع البنك أيضًا، ارتفاع أسعار السكر بنحو 20 دولارا للطن، ليصعد إلى 380 دولاراً فى حين تحتاج مصر لزيادة المتوفر للاستهلاك بنحو 60 ألف طن سنويًا لتغطية الاحتياجات.
وبالنسبة لتوقعات المنظمة، سيزيد هذا الارتفاع من الأعباء على موازنة مصر العامة خلال الفترة المقبلة فى حالة عدم الإسراع فى توفير بدائل محلية للغذاء.
ويتطلب تحقيق الأمن الغذائى للمواطنين فى كل دولة 3 عوامل رئيسية، هى توافر الغذاء، والقدرة على شرائه، واستخدام منتجات بعينها لتحقيق المستوى المطلوب من السعرات الحرارية للحفاظ على البنية الصحية للإنسان.
وقال فتحى محمد، مدير مالى بإحدى شركات الصناعات الغذائية الكبرى، إن مصر تعتمد على مناشئ بعينها لاستيراد احتياجاتها السنوية، أغلبها من دول الاتحاد الأوروبى.
أضاف أن ذلك يعرض الاقتصاد لمخاطر ارتفاع الأسعار فى ظل تقلب العملات كما حدث العام الماضى مع العملة الموحدة للاتحاد الأوروبى قائلا: «الأمن الغذائى لمصر على كف عفريت».
ووفقاً لبيانات الاتحاد الأوروبى جاءت مصر فى المركز 16 ضمن الشركاء الأكثر استيراداً للأغذية من الدول الأعضاء بقيمة 1.8 مليار يورو خلال 2016 بحصة تصل إلى 1.4% من إجمالى صادرات الاتحاد السنوية.
أوضح محمد أن الميزان التجارى مع أوروبا يصب فى صالحها دائمًا نتيجة انخفاض الصادرات المصرية إليها بالمقارنة مع الواردات، ما يحرم الجهاز المصرفى من العملة الأجنبية، ويتم ترجمة ذلك الارتفاع المستمر فى فاتورة الواردات، ما يضغط على دخول المستهلكين الشهرية.
وغطت صادرات السلع الغذائية والتى بلغت 4.5 مليار دولار نحو 30% من قيمة الوارادت الغذائية وقدرها 13.35 مليار دولار خلال العام الماضى.
وظهرت مطالبات فى الفترة الأخيرة بضرورة الاهتمام بالمحاصيل ذات الميزة النسبية المرتعفة، ومنها النباتات الطبية والعطرية، والتى يمكنها مع غيرها ضبط ميزان المدفوعات.
وقال مجدى موسى، رئيس محطة شمال سيناء بمركز بحوث الصحراء، إن بعض السلع الأساسية لا يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتى منها بسبب الظروف المناخية، فزيوت النخيل والصويا مثلا تحتاجان لمناخ استوائى لا تملكه مصر.
أضاف أنه يمكن زراعة منتجات بديلة لإنتاج الزيوت، مثل التوسع فى محاصيل «الذرة الصفراء، والقطن، والكتان»، لكنها تمر بظروف صعبة خلال السنوات الأخيرة بسبب التسويق، ما جعلها تتضائل.
ووفقًا لبيانات «المركزى للإحصاء»، انخفضت أحجام الإنتاج من هذه المحاصيل خلال عام 2016 إلى 164 ألف طن لبذور القطن و183 ألفًا للفول السودانى، و40 ألف طن للصويا، و22 ألف طن لعباد الشمس.
وتابع موسى: «فى ظل المناداة بالاستثمار الأجنبى، يجب وضع المناطق الصحراوية القابلة للزراعة ومنها سيناء على خريطة الاستثمار التى تستهدفها الدولة، والتى لديها قابلية أعلى من غيرها فى محاصيل النباتات الطبية».
أوضح أن الأراض الصحراوية فى شمال سيناء مثالية للزراعة العضوية بعيداً عن ترسبات متبقيات المبيدات التى تعيق توسيع قاعدة الصادرت الزراعية فى أوروبا.
وقال موسى: «العالم أصبح مفتوحًا وينادى بالتخصص، ولا يمكن أن نزرع كل ما نأكل، فهذه تخضع لعوامل بيئية متعددة يحكمها المناخ، لكنه يجب أن نرتفع بالحصص التجارية مع الأسواق الخارجية على مستوى الصادرات».
وبلغت إنتاجية النباتات الطبية خلال 2015 نحو 196 ألف طن فى حين بلغت صادراتها أكثر من 80 مليون دولار.
مصر تهدر ملايين الأطنان من المحاصيل سنويًا
توفير فاقد «القمح» يُقلص الواردات 40% سنويًا
تضاعف إهدار «قصب السكر» و«البقوليات» الناجى الوحيد
مطالب باستخدام أساليب زراعية حديثة.. وتطبيق «الإرشاد»
تزايدت معدلات إهدار المحاصيل الزراعية فى مصر على مدار السنوات السبعة الأخيرة رغم الاحتياج لاستيراد نحو 60% من استهلاك الغذاء كل عام.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، يصل الفاقد من محاصيل الحبوب نحو 23% بواقع 5.5 مليون طن من إجمالى 24 مليونا سنويًا.
ويلاحظ نمو معدلات الفقد بوتيرة قوية خاصة فى محصول القمح، لتُسجل 3.9 مليون طن فى 2015 مقابل 1.8 مليون فى 2011 وفى حالة الحفاظ عليها ستوفر مصر نحو 40% من واردات القمح التى تصل 10 ملايين طن سنويًا.
قال هشام النجار، العضو المنتدب لشركة الوادى للتنمية الزراعية «دالتكس»، إن الحفاظ على الفاقد السنوى من المحاصيل يرفع حجم المعروض من السلع، ويؤدى لانخفاض الأسعار.
أضاف، أن توازن الأسعار سيرفع من قدرة المستهلكين الشرائية، والتى تراجعت كثيرًا منذ تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016 ليرتفع الدولار إلى 17.70 جنيه مقابل 8.88 جنيه قبلها.
وتضاعف المهدر من محصول قصب السكر أكثر من 20 مرة خلال السنوات الأخيرة وكانت محاصيل البقوليات هى الفئة الوحيدة التى تراجعت أحجام الفاقد منها إلى 25 ألف طن سنويًا مقابل 35 ألفًا.
وقال على عيسى، الرئيس السابق للمجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، إن الاهتمام بالقطاع الزراعى والمحافظة على المهدر يسمح بزيادة حجم المنتجات المتوفرة فى السوق المحلى بحانب ارتفاع معدلات التصدير.
أضاف، أن المحافظة على نسبة 20% كمتوسط الفقد فى أغلب المحاصيل يخفض من تكلفة الإنتاج بنسبة أعلى منها، وبالتالى فتوازن السوق يحتاج للعمل على زيادة فعاليات الإرشاد الزراعى مع الفلاحين.
تابع عيسى: «يمكن الاعتماد على إحدى التجارب الأوروبية فى تطوير المنظومة، من خلال استخدام الميكنة الحديثة فى الرى والعناية بالمحصايل».
أشار إلى أن بعض الدول تقوم بتخزين المنتجات بأنظمة التبريد فى ذروة الموسم، للمحافظة على قاعدة العرض والطلب وعدم الإضرار بالمنتجين، ومن ثم تقوم بطرحها على المستهلكين وقت الحاجة لعدم الإضرار بالمستهلكين، ومن هنا يأتى التوازن.
ونظمت منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة «الفاو» برنامجاً تدريبياً فى مصر لتقليص الهدر فى الطعام الذى وصفته بالمرتفع خلال مراحل الإنتاج وأسواق التجزئة والجملة.
ويعتمد مشروع «تقليل الفاقد والهدر فى الغذاء وتطوير سلسلة القيمة لضمان الأمن الغذائى فى مصر وتونس» على نهج سلسلة القيمة الغذائية للحد من فقد وهدر الغذاء بهدف تحسين الكفاءة الاقتصادية والبيئية للقطاعات الزراعية الغذائية، عبر سلاسل القيمة الغذائية المطورة.
وقالت «الفاو» إن هدر المحاصيل فى أغلب الدول «غير مرئى» إلا إذا تم رصده فى شكل إحصائيات، فالسلوكيات الفردية فى هدر الغذاء يراها الأفراد على أنهم يقومون بإشباع حاجتهم دون ضرر وما يلقونه من فائض يرجع لعدم استخدامه.
وأشارت المنظمة فى تقريرها إلى أن الإنتاج العالمى من المأكولات كاف لإطعام سكان الكرة الارضية، ومع ذلك يوجد 842 مليون شخص ينامون كل ليلة دون طعام.
وذكرت تقارير البنك الدولى حول مراقبة الغذاء العالمى، أن ما بين 25 و33% من حجم إنتاج الغذاء فى العالم يتم إهداره سنويًا بأكثر من صورة، بما يصل إلى 4 مليارات طن من الأغذية.
التوسع فى الزراعة أبرز تحديات توفير الغذاء
القطاع الزراعى يواجه ضعف الاستصلاح وندرة المياه وبيروقراطية الحكومة
البلتاجى: معدل نمو الاستصلاح النمو السنوى ضعيف.. ويجب تسهيل الإجراءات
صيام: نحتاج لتوفير المياه أولًا قبل التوسع الأفقى فى الأراضى
عبدالعاطى: سنعتمد على تحلية المياه فى المناطق القريبة من البحر
منصور: الأفضل زراعة أصناف جديدة والـ«1.5 مليون فدان» ليس بديلًا سريعًا
يرى خبراء القطاع الزراعى أن التوسع الأفقى فى استصلاح الأراضى الزراعية أحد السبل الرئيسية لزيادة الإنتاج الغذائى، لكن التوسع يواجه تحدى ندرة المياه سواء من النيل، أو الآبار الجوفية.
وانتقد الخبراء انخفاض نسبة المساحات الزراعية المستصلحة سنويًا سواء من قبل الحكومة أو القطاع الخاص، وعدم خلق حلول للتعقيدات التى يشهدها القطاع، وطالبوا بوضع خطة تُشجع الشركات على التوسع فى الصحراء عبر توفير بيئة مناسبة.
قال شريف البلتاجي، رئيس شركة «بلكو للحاصلات الزراعية»، إن مساحات الأراضى المتاحة للشركات فى الصحراء ضعيفة رغم وجود مساحات شاسعة من الأراضى الصحراوية فى مصر.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تم استصلاح 38.5 ألف فدان فى العام المالى 2015 – 2016 مقابل 14.5 ألف فدان فى العام المالى السابق له بنسبة زيادة تصل 165.4%.
أضاف البلتاجى «تلك المساحات صغيرة، ولا تلبى احتياجات الأسواق المتزايدة سنويًا سواء على المستوى المحلى أو التصدير».
وذكر تقرير «المركزى للإحصاء»، أن قطاع استصلاح الأراضى التابع لوزارة الزراعة نفذ 28.7 ألف فدان فى 2015 – 2016 بنسبة 74.5% من إجمالى المساحة، فى حين استصلح القطاع الخاص 7.3 ألف فدن والجمعيات التعاونية نحو 2.5 ألف فدان.
أوضح البلتاجى أن القطاع الزراعى يواجه العديد من المشكلات منذ فترة طويلة يجب النظر إليها بدقة للتغلب عليها وتوفير مناخ مناسب لتشجيع الاستثمارات.
وضرب مثالًا بندرة المياه فى مصر، والتى تُهدد أكثر من 700 ألف فدان مستصلحة على طريق القاهرة الأسكندرية الصحراوى نتيجة انخفاض مناسيب المياه فى الآبار.
وذكر أن البنك الدولى أصدر تقريرًا منذ عدة سنوات أوضح فيه أنه يجب مد خطوط مياه لهذه المساحات، لعدم توافز مياه كافية فى الخزان الجوفى بالمنطقة.
وقال جمال صيام، خبير زراعى، إن التوسع فى استصلاح الأراضى الصحراوية يحتاج للتعرف على أماكن وجود المياه أولًا، حتى لا تجف المياه من الآبار فجأة، وفى النهاية سيكون الاقتصاد هو الخاسر الأكبر وليس المستثمر وحده.
أضاف أن مصر لا تملك دراسات حقيقية عن وضعها المائى بالنسبة للآبار الجوفية، وبالتالى فيجب الاختيار بين عدة بدائل والتجهيز لها استعدادًا للمخاطر الغذائية التى قد تواجهها مصر حال استمرار الوضع الحالى.
أوضح صيام، أن أحد البدائل المتاحة تحلية مياه البحر، والتى ترتفع تكلفتها كل يوم من خلال ارتفاع تكاليف الإنتاج فى مصر بشكل عام، ورغم أنه خيار جيد لكنه سيرفع من تكاليف الإنتاج كثيرًا.
أشار إلى أن تكلفة تحلية المتر المكعب ارتفعت إلى 8 جنيهات حاليًا مقابل 3 جنيهات قبل عامين، كما أن تكلفة نقل المياه سترفع من تلك الأعباء.
وتابع صيام «يجب إيجاد المياه أولًا قبل التوسع فى استصلاح الأراضى، ومعرفة تكاليفها وتوضيح الوضع للمستثمرين، وبناءًا عليه سيتحدد الاستمرار فى التوسع الأفقى من عدمه».
وتتجه وزارة الرى لتحلية مياه البحر كبديل رئيسى لندرة المياه فى مصر وفقًا لتصريحات وزير الى الدكتور محمد عبد العاطى، الذى أوضح أن كافة الأراضى التى تقع على سواحل البحر سيتم تزويدها بمياه محلاه.
أضاف الوزير، أن مصر تحتاج إلى 75 مليار متر مكعب سنويًا، ويصل المتاح منهم 60 مليار متر مكعب فقط منها 55.5 مليار من نهر النيل و4.5 مليار من الأمطار والمياه الجوفية.
وقال محمد منصور، خبير زراعى، إن التوسع الأفقى يصعب تحقيقه فى الفترة الحالية، والافضل أن تكثف الدولة مجهوداتها نحو التوسع الرأسى من خلال استنباط أصناف جديدة من بذور المحاصيل لزيادة الإنتاج على المساحات الحالية”.
أضاف أن هذا الخيار جيد، لكنه يحتاج لمضاعفة ميزانية مركز البحوث الرزاعية 10 مرات على أقل تقدير للقدرة على تخطى أزمات السنوات الماضية.
أوضح أن ميزانية المركز لا تتخطى 3 ملايين جنيه خلال العام المالى الجارى.
أشار إلى أن استنباط أصناف جديدة بإنتاجية أعلى تستغرق سنوات طويلة، لذا يجب على الحكومة مراعاة الزيادة السكانية المطردة سنويًا بنحو 2.5%، والتى سترتفع تكاليف توفير الغذاء فى السنوات المقبلة.
وقال إن مشروع المليون ونصف المليون فدان لن يكون بديلًا قويًا فى الفترة الحالية، فمن ناحية سيستغرق فترة طويلة للانتهاء منه وليس كما أعلنت الحكومة، كما لا توجد دراسات حقيقية عن المياه فى الأراضى المعلن عنها.
وانتهت شركة الريف المصرى المسئولة عن المشروع من القرعة الأولى قبل عدة شهور، وأعلنت عن تسليم أكثر من 92 ألف فدان، وطرحت 61 ألف فدان بداية الشهر الجارى بمنطقتى الفرافرة وتوشكى وتجهز لطرح 55 ألف فدان فى منطقة غرب غرب المنيا خلال أسابيع.