رغم تراجع التضخم، ونمو الاقتصاد الذى تعافى مؤخراً بعد سنوات من الركود بفضل تخفيف بعض العقوبات الدولية وبيع البترول إلى الأسواق العالمية من جديد، لايزال كثيرون فى إيران يعتقدون أن الحالة الاقتصادية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» ايلبريطانية، أن الاتفاق النووى الذى وقعت عليه إيران والقوى الغربية عام 2015 كان من شأنه أن يحقق مكافأة اقتصادية كبيرة، لكن لاتزال الحياة اليومية صعبة، ولا توجد فرص عمل كافية للشباب العاطلين عن العمل.
وأضافت أن الزيادات المقترحة فى أسعار الوقود، والتى قد تصل نسبتها لـ 50% وتم الكشف عنها فى ديسمبر الماضى، لم تضف إلا الشعور بالإفقار.
ونقلت الصحيفة عن مدرس يبلغ من العمر 42 عاماً يدعى «ماندانا»، أن المخاوف ليست بسبب ارتفاع أسعار البنزين، ولكن الخوف يكمن فى تأثير هذه الزيادة على القطاعات المختلفة الأخرى، مضيفاً أنه لجأ العام الماضى إلى بيع سيارته الخاصة بعد أكثر من 20 عاماً بسبب الضغوط الاقتصادية.
وشهد الأسبوع الماضى، تدفق آلاف الإيرانيين إلى الشوارع، فى احتجاجات وصفت بأنها الأولى من نوعها خلال ما يقرب من عقد من الزمان، وبحسب وسائل الإعلام المحلية فإن عدد الأشخاص الذين قتلوا نتيجة الاضطرابات، وصل إلى 15 شخصاً على الأقل.
ودعا المتظاهرون إلى تغيير النظام الحالى والذى يلقون عليه باللوم بسبب المشكلات الاقتصادية والفساد الواسع والقيود السياسية والاجتماعية،إذ ردد المتظاهرون: «بلادنا أصبحت بيتاً من اللصوص»، وبدأت أكبر مظاهرة مناهضة للنظام منذ عام 2009 فى مدينة مشهد، ثانى أكبر مدن إيران، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار.
ومن جانبه، أعلن الإصلاحيون، أن المتشددين نظموا الاحتجاجات فى مدينة مشهد وربما فى مدن أخرى لتقويض حكومة الرئيس حسن روحانى، سعياً للاستفادة من السخط الاقتصادى.
وقال السياسى الإصلاحى محمد صادق هيسار، إنه من الغريب جداً أن تجتاح الاحتجاجات البلاد بأسرها خلال فترة قصيرة جدا من الزمن، متوقعاً وقوف بعض المنظمات وراء ذلك.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه عندما تولى الرئيس حسن روحانى، السلطة عام 2013، ورث اقتصاداً متواضعاً بسبب السياسات الخاطئة التى التزم بها أسلافه المتشددون، والقيود الدولية على البرنامج النووى.
وأحرز روحانى بعض التقدم فى البيئة الاقتصادية، إذ بلغ معدل التضخم 10% فى الوقت الراهن، وهو أقل بكثير من نسبة الـ 45% التى شوهدت عام 2013، وبعد سنوات من الركود بلغ الناتج المحلى الإجمالى 6%، ولكن لاتزال البطالة بين الشباب تبلغ 25% ومن المتوقع أن ينضم حوالى 830 ألف شخص إلى سوق العمل فى العام الإيرانى الجديد (يبدأ فى عيد الربيع)، وأعلنت الحكومة أنه لايزال يهناك الكثير، مما ينبغى عمله.
وقال محمد باقر نوبخت، نائب الرئيس الإيرانى للموازنة والتخطيط، إن طهران بحاجة إلى استثمار ما لا يقل عن 20.3 مليار دولار فى شبكات النقل والسكن والقروض، لكن المحللين أعلنوا أنه لا توجد ميزانية حقيقية تدفع التنمية، مشيرين إلى عدم المساواة داخل المجتمع الإيرانى.
وفى الوقت نفسه تخطط الحكومة لخفض الإعانات الشهرية التى تبلغ قيمتها 455 ريال للشخص الواحد لأولئك الذين يكسبون أكثر من 7 ملايين ريال شهرياً، مما يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على 30 مليون شخص وكثير منهم يكافحون بالفعل للحصول عليها وعلاوة على ذلك من المتوقع أن ترتفع أسعار الوقود.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن كل هذه الاحتجاجات تأتى وسط شكوك كبيرة حول القطاع المالى وخصوصاً مؤسسات الائتمان غير الشرعية التابعة للمؤسسات الدينية والعسكرية، مثل الحرس الثورى.
ويحتفظ ملايين الإيرانيين بأموالهم فى هذه المؤسسات التى انتشرت على مدى العقد الماضى، إذ تشكل حالياً حوالى 25% من العمليات المصرفية.
وكشفت الصحيفة، أن البنك المركزى الإيرانى أغلق عدداً قليلاً من هذا المؤسسات العام الماضى، وحث الآخرين على زيادة الشفافية، ويخشى الكثيرون من حدوث إفلاس وفقدان لمدخراتهم.
وأعربت وكالة «تسنيم» للأنباء وهى قريبة من نخبة الحرس الثورى، عن شكوكها فى بيانات التضخم والنمو الرسمية، وهى شكوك يشارك فيها كثير من الناس،
وقال نائب الرئيس السابق محمد على ابطحى، إن عدم قدرة الحكومة على التواصل مع الشعب مهد الطريق لحدوث هذه الاحتجاجات مؤخراً.