
تشير البيانات الاقتصادية المتدفقة من البلدان الفقيرة والغنية، بداية العام الحالى، إلى أن العالم يجب أن ينسى عبارة «الركود المطول»، ويعتنق بدلاً من ذلك مصطلح «النمو العالمى».
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن المؤشرات الأخيرة تشير إلى أن الاقتصاد العالمى ينمو سريعاً وفى انسجام تام، ويخلق أكبر مفاجأة صعودية مستدامة فى التوقعات منذ سنوات الازدهار التى شهدتها الفترة من 2004 إلى 2007.
وللعام الأول منذ عام 2010 توسعت جميع الاقتصادات الرائدة فى مجموعة العشرين العام الماضى، كما تسارع النمو فى معظم هذه الاقتصاديات.
وأقدم صندوق النقد الدولى، على تحسين توقعاته للنمو العالمى العام الحالى للمرة الأولى منذ عام 2009، ومن المقرر أن يراجع توقعاته للنمو بأعلى من توقعاته الحالية البالغة 3.7% مع انطلاق فعاليات منتدى «دافوس» الاقتصادى.
وأوضحت الصحيفة، أن هذه الاتجاهات المزدهرة، تجعل من السهل إثبات مستوى النشاط فى الاقتصاد العالمى بشكل أسرع من التنبؤات الاقتصادية.
وتشير البيانات الاقتصادية الأخيرة، إلى وجو نمو قوى أو متسارع فى الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان وكندا والصين وروسيا والمكسيك وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا، لكن من بين الاقتصادات الكبيرة تفقد المملكة المتحدة والبرازيل الزخم.
وتقدر إدارة الأصول التابعة لشركة «فولكروم»، أن العالم بدأ عام 2018 بمعدل نمو سنوى قدره 5% وتجاوزت الاقتصادات الناشئة معدلات نموها المستدام على المدى الطويل وتوسعت الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان أعلى بكثير من المتوسطات الأخيرة.
وقال كبير الاقتصاديين فى بنك «بيرنبرج»، هولغر شميدينج، إن الطفرة حلّت فى الاقتصاد العالمى بعد 7 سنوات من الجمود الاقتصادى.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأسواق المالية تفاعلت مع هذه الآراء، إذ ازداد مؤشر “إم إس سى آى” لأسعار الأسهم العالمية بنسبة 21.4% الأسبوع الثانى من شهر يناير الحالى، بعد تسجيله مزيد من الارتفاعات بشكل متكرر، مدعوماً باحتمال تحقيق أرباح أعلى بعد تخفيض الضرائب على الشركات الأمريكية.
ولكن يظل السؤال: «هل هذه النظرة الاقتصادية المزدهرة والمتزامنة مع قوة الأسواق المالية عادلة أم لا؟ وهل سيكون عام 2018 بداية لفترة أقوى من الأداء الاقتصادى العالمى أم أنه بالفعل مرحلة فى وقت متأخر من الاندفاع قبل حدوث توقف آخر؟»
من المؤكد وجود بعض الأسباب للشعور بالتفاؤل بشأن توقعات عام 2018، إذ ينتشر النمو فى العديد من الاقتصادات بدلاً من التركيز فى واحد أو اثنين من الاقتصادات الرائدة.
وتؤكد شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» للخدمات المهنية، انتشار النمو فى محركاتها التقليدية مرة أخرى، وتتوقع أن يأتى 70% من النمو العالمى هذا العام من الولايات المتحدة والاقتصادات الناشئة فى آسيا ومنطقة اليورو مقارنة بنسبة 60% فى المتوسط منذ عام 2000.
وتوقع كبير الاقتصاديين فى الشركة،باريت كوبيليان، أن يكون النمو الاقتصادى العالمى قائماً على نطاق واسع فى عام 2018 بدلاً من التوسع فى عدد قليل من الاقتصادات المزدهرة.
وذكرت الصحيفة، أنه لا يوجد ما يدعو المصارف المركزية حول العالم، إلى تشديد سياساتها النقدية سريعاً، مع توقع أن يكون التضخم العالمى مستقراً وأقل من المستهدف فى معظم الاقتصادات المتقدمة.
وتوقعت مؤسسة «أوكسفورد إكونوميكس» البحثية، ارتفاع القدرة الشرائية للمستهلكين فى جميع أنحاء العالم مع نمو العمالة واستقرار فواتير الطاقة واستهلاك أرخص فى بعض الاقتصادات الناشئة.
ومع استمرار ارتفاع البطالة فى منطقة اليورو والبطالة الجزئية التى لاتزال مشكلة فى الولايات المتحدة، يبدو أن الارتفاع الدورى للاقتصاد العالمى قد يتلاشى بعد عام، فصحة الاقتصاد العالمى على المدى الطويل تعتمد على ضمان ارتفاع معدلات نمو الإنتاجية التى تسمح باستمرار نمو أسرع، وهناك قليل من الأدلة التى تشير إلى أن ضعف الإنتاجية العالمية انتهى.
ورغم أن معدلات نمو الاستثمار تتصاعد مرة أخرى، إلا أنه لايزال أمامها طريق طويل للوصول إلى المستويات التى كانت عليها قبل الأزمة المالية العالمية، وتشير عائدات السندات الحكومية طويلة الأجل التى لاتزال قريبة من مستوياتها قبل عام، إلى أن الأسواق المالية ترى أن هذا النمو هو مجرد ارتفاع دورى، وهناك بالطبع مخاطر حتى على هذه التوقعات العالمية المتفائلة على المدى القصير التى يتوقعها معظم المتنبئين الاقتصاديين.
ولكن المزاج السائد فى بداية العام هو الإثارة بدلاً من الخوف، بعد أن قام صناع القرار مطلع 2018 بهزيمة العديد من المشكلات التى كافحوا لسنوات للقضاء عليها، قبل البدء فى مواجهة مشاكل جديدة ستنشأ فى المستقبل.