مصطفى ابراهيم: البيتكوين والبلوك تشين.. هل تساعد على تحقيق التنمية المستدامة؟؟


هل تكون وسيلة سهلة للتحويلات من الخارج والصرف بالعملة المحلية؟؟

تحدثنا فى المقالتين السابقتين عن البيتكوين والبلوك تشين والمزايا والعيوب والتحديات المحيطة بها لكل الأطراف المتعاملين معها.. ولكن هل هذا يمنع من كيفية التفكير فى كيفية الاستفادة من هذا التطوير الهائل فى التكنولوجيا فى خدمة النظام المالى ومجالات التنمية المستدامة؟ أكيد إذا تمت إعادة النظر لهذين المكونين المرتبطين ببعضهما البعض.. وتجنيب النظرة السلبية وإعلاء النظرة الإيجابية لما يمكن أن يكون عليه الحال فى حال إعادة صياغة التعامل مع هذه التقنية الحديثة فى عالم المال والنقود.. بتوفر آلية سهلة وسريعة وآمنة ودون تعقيدات أو وسيط يطيل من أمد العملية ودون الحاجة إلى إجراءات معقدة لفتح حسابات بنكية..

فكرت فى هذا المقال الحديث عن كيفية الاستفادة من هذا التطور التقنى عالى الجودة والدقة فى عدة مجالات، وقد يكون فى قطاعات عديدة.. فعلى مستوى تحويلات العاملين بالخارج قد تكون هذه وسيلة سهلة وآمنة لشراء بيتكون بالعملة الصعبة بالخارج واستلامه من قبل الشخص المعنى فى بلده بالعملة المحلية.. وهذه قد تكون وسيلة لخفض الطلب على العملة الصعبة محلياً.. إذا ما تم إنهاء العمليات عبر تحويلات من خلال عملة إلكترونية افتراضية لها قيمة سوقية.. وهنا سوف تختفى السوق السوداء أو حتى البنوك فى ظل وجود مثل هذه الآلية.. ولا يتطلب الوضع الحصول على دولار من الداخل لشراء تلك العملة فقد تشتريها بما قيمته من عملتك لتدفع بها قيمة معاملة فى الخارج بقيمة البيتكوين.. وبذلك تكون البيتكوين والبلوك تشين أداة سهلة فى تنمية التجارة الإلكترونية للمعاملات على نطاق صغير ومتوسط.. أو حتى المعاملات الكبيرة نسبياً.. كشراء العقارات مثلاً..

ولا شك أنه فى الدول الفقيرة أو التى لا توجد بها خدمات بنكية أو مالية جيدة أو ذات انتشار محدود سوف يكون للبيتكوين والبلوك تشين دور كبير؛ حيث ستحل البيتكوين والبلوك تشين محل البنوك وتكون هى النظام البنكى.. وبالتالى قد يدعم هذا جهود التنمية المستدامة فى الدول الفقيرة لتحويل الأموال والصرف على جهود التنمية المستدامة، كما قد تكون أداة لتحقيق الشمول المالى.. من خلال التعامل عبر أجهزة اللاب توب أو الأجهزة اللوحية المحمولة أو التليفونات المحمولة.. ولا تحتاج فقط إلى خلق حساب أو محفظة مالية إلكترونية.. ولكن فى الدول التى لديها نظام بنكى قوى وصارم قد تواجه هذه التقنية تحديات كبيرة..

كما قد ينظر لها البعض على أنها أداة جديدة لخلق نظام استعمارى Bitcoin’s Neocolonial Tinge جديد يتحكم فى اقتصاد الدول النامية من خلال التحكم فى ما لديها من نقد من خلال سيطرة هذه التقنية الجديدة على نظم المعاملات والمدفوعات بعيداً عن السلطات المحلية تحت شعار «استخدم التكنولجيا الخاصة بنا وانسى الأنظمة المحلية».. حيث تتم المعاملات بين بشر ومؤسسات هم شبكة المتعاملين عليها.. وهذا سوف يثير حفيظة السياسيين قبل الاقتصاديين التقليديين؛ خوفاً من انتشار المال السيئ من أجل تقويض الاستقرار السياسى.. فى حين يرى العديد من الليبراليين، أنها فرصة لتعظيم حركة التجارة والمعاملات الدولية بطريقة أيسر وأكثر أمناً، ودون الحاجة إلى وسيط وكان هناك بنك عالمى واحد الكل له حساب فيه، ويحول مباشرة من حسابه إلى حساب الآخر دون وسيط بعيد عن الطرق التقليدية وبعملات إلكترونية مشفرة..

كما يمكن لتقنية البوك تشين توفير عقود ذكية يتم إبرامها من قبل المتعاقدين فى ضوء الأكواد المشفرة والحسابات الكودية الخاصة بالعملاء لإتمام معاملات تعاقدية.. بحيث تصبح مفعلة فور الاتفاق عليها، وتحويل الأطراف للعملات الإلكترونية لحساب مزدوج Escrow accounts بحيث يتم الإفراج عن العملات الافتراضية الموضوعة بالحساب بمجرد إتمام المعاملة «بضغطة زر» دون الحاجة إلى وسيط.. وهذا ما يطلق عليه عقد تنظيم المشتقات من منظومة البلوك تشين.. Blockchain based weather derivatives contract…

هل يمكن أن يكون لهذا أثر على التعامل بالبورصات؟؟ نعم بنفس الطريقة فبدلاً من التعامل بالنقود التقليدية يتم الدفع، أيضاً، بالبيتكوين والتحويل من حساب لحساب فى حل شراء أسهم شركات من البائع للمشترى مباشرة.. كذلك الحال فى حالة الرغبة فى حجز رحلة سياحية للخارج إذا كان كل من المنتفع من الرحلة والمنظم لها أو الفندق السياحى له حساب بالبيتكوين قد لا يحتاج إلى تحويل النقود مجرد شراء البيتكوين من بلده يصرف مقابلها من الناحية الأخرى فى البلد الآخر المنتفع من التحويل ما قيمته بعملته وهنا لم يخرج الدولار أو العملة من البلد للبلد للآخر، وأصبح المقايضة أو التبادل يتم بالبيتكوين..

نعود مرة أخرى للتنمية المستدامة وتحديد عنصر التنمية البشرية، فإذا كانت كل الأصول والمعاملات والخدمات مسجلة على قاعدة بينات البلوك تشين Blockchain registry فإنه سيكون من السهولة حينها تحديد الفجوات فى التنمية الاقتصادية الاجتماعية، واستهداف برامج تنموية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.. وقد بدأت الأمم المتحدة تعيد النظر فى كيفية استخدام تقنية البلوك تشين فى الوصول إلى المستفيد النهائى من برامج التنمية، ولا سيما فى دول الجنوب الفقيرة والمناطق ذات الأولى بالرعاية وإيصال المساعدات إليها من قبيل تحقيق برامج الإدماج الاجتماعى وتحقيق المساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادى للمرأة، وعدم نظم الحوكمة الديمقراطية.. فإذا كانت الفئات المستهدفة أو المؤسسات المنوطة بها الاهتمام بهذه المجالات مسجلة على تقنية البلوك تشين، فإنه من السهل حينها إيصال المساعدات المالية لها دون وسيط.. وهذا يثير الرقابة على تحويل الأموال التى ستخرج عن نطاق السيطرة السياسية للدول التى تتم فيها المساعدات؛ لأن الحسابات الافتراضية ستكون مؤمنةً وغيرَ مراقبة…
لا شك أن الحديث الجدلى عن البيتكوين والبلوك تشين لن ينتهى فى ظل وجود الطرفين، من يتحدث عن المزايا ومن يتحدث عن العيوب.. ولكنى أقول للطرفين، إنها تقنية قادمة بانتشار واسع لا محالة، وسيكون لها حيز استخدام واسع.. ولا بد من التفكير فى كيفية الاستفادة منها لا رفضها.. وأرى أنه لا مانع من التعامل بالنظام التقليدى البنكى والنقود التقليدية بالتوازى مع النقود الافتراضية والبلوك تشين.. فمواكبة التطورات التكنولوجية مهم جداً فى جميع تعاملاتنا.. وهذا لا يمنع من استمرار المخاوف بشأن أموال الإرهاب وغسل الأموال والجرائم المالية.. بل ومن التحديات التى تثير مخاوف البنوك من انتشار البيتكوين ومثيلاتها..
وما نبغى إلا إصلاحاً وتوعية..

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية



نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2018/01/24/1080393