بعد عقود من الأداء المخيب للآمال بدأ العديد من البلدان الأفريقية تشق طريقها نحو الازدهار.
ذكرت وكالة أنباء «بلومبرج»، أن علامات النمو فى القارة السوداء ظهرت، لكن لاتزال أفريقيا جنوب الصحراء من أفقر المناطق فى العالم بعد سنوات من الاستعمار الذى خلف العديد من الجرائم وترك القارة تعانى الحروب العرقية ووضع السلطة فى أيدى نخبة صغيرة تنهب ثروات البلدان وخيراتها.
ومنذ سنوات الاستعمار عانت أفريقيا من نشوب عدد كبير من الحروب والصراعات وكانت أسوأها حرب الكونغو الثانية التى وصفت بأنها أشد الصراعات دموية منذ الحرب العالمية الثانية.
ومنذ التسعينيات حققت معظم بلدان القارة تحولاً هائلاً وانتهت معظم الحروب الكبيرة وأصبح الكثير من الدول تعيش فى سلام.
ومع استقرار البلدان تحسنت الإدارة وانخفض معدل وفيات الأطفال الناجم عن سوء التغذية والوفيات الأخرى الناجمة عن الملاريا وانخفضت معدلات الأمية بشكل كبير، وأحرزت أفريقيا بالفعل بعض التقدم فيما يتعلق بمستويات الفقر.
وأشارت «بلومبرج» إلى أن القارة الأفريقية لايزال أمامها الكثير لتحقيق الازدهار، حيث يبلغ نصيب الفرد من الدخل فى المنطقة نحو 10% من نصيب المواطن فى بلد غنى مثل كوريا الجنوبية.
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن الموارد الطبيعية فى القارة السمراء يمكن وصفها بأنها نقمة أكثر من كونها نعمة، حيث أنها تقلل من تعزيز مستوى الاستثمار فى العمالة وتزيد الحافز لإسقاط الحكومات والاستيلاء على عائدات المعادن، كما أن الموارد الطبيعية تجعل البلدان محاصرة فى زاوية غير منتجة لتصبح سلاسل توريد عالمية من أجل الثراء كما أن البلدان بحاجة إلى إنتاج مجموعة كبيرة ومتنوعة من المنتجات بدلاً من التركيز على مورد واحد فقط.
ومن أجل الثراء تحتاج البلدان الأفريقية للقيام بمزيد من الصناعات التحويلية وعادة ما تبدأ هذه الرحلة بالصناعات كثيفة العمالة مثل المنسوجات وغالباً ما تنطوى على الكثير من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للشركات متعددة الجنسيات التى تقوم ببناء مصانع فى البلدان منخفضة التكلفة، ومن هذا الباب بدأت الصين تشق طريقها نحو ثروات القارة، والتى تجعل أفريقيا أفضل الرهانات.
ولحسن الحظ بدأت الدلائل المبكرة على النمو فى الظهور وجلبت البلدان الأفريقية المزيد من الاستثمار الأجنبى المباشر فى مجال التصنيع، وفى الفترة ما بين عامى 2005 و2015 تضاعف إنتاج الصناعات التحويلية فى أفريقيا تقريباً وزادت الصادرات الصناعية 3 أضعاف.
وجاء الكثير من النمو بسبب الاستثمارات الصينية ويعمل فى القارة السمراء حوالى 10 آلاف شركة صينية وتوظف وتؤمن التدريب على العمل لعدة ملايين من العمال الأفارقة.
ويميل الاستثمار الصينى إلى التدفق إلى البلدان ذات الأسواق المحلية الكبيرة فى إشارة إلى أن الشركات الصينية لا ترغب فى الاستيلاء على الموارد الطبيعية للقارة.
وتستفيد القارة من جانبها من الاستثمارات الصينية وتوظف بكين نحو نصف مدرائها المحليين فى الشركات من أصول أفريقية، يأتى ذلك فى الوقت الذى تتدفق فيه العديد من الاستثمارات من البلدان الغنية الأخرى فى أوروبا وآسيا.
وأشارت الوكالة إلى أن الاستثمار أصبح له تأثير كبير ووجد الاقتصاديون أمثال فيتو أميندولاجين، وأندريا بريسبتيرو، وروبرتا رابيلوتى وماركو سانفيليبو أن الاقتصادات الأفريقية أصبحت أكثر تنوعاً وأكثر أهمية لسلاسل الإنتاج العالمية وهذه علامة جيدة للغاية تؤكد فرص النمو فى المستقبل.
وتساعد الحكومات الأفريقية أيضاً فى جلب الاستثمارات وكشفت العديد من التقارير حجم الجهود الحكومية الأخيرة فى بلدان مثل غانا ونيجيريا وموزمبيق وإثيوبيا ورواندا لتحسين البنية التحتية والتعليم.
ووجدت دراسة أعدها الاقتصاديون لورا بينى، وليزا كوك، عام 2009 أن تحسين الحوكمة كان عاملاً كبيراً فى التوسع الاقتصادى الأفريقى.
وأوضحت الوكالة، أن كل هذه العوامل ظهرت فى إحصاءات النمو ومنذ منتصف العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، تسارع النمو فى البلدان التى تجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى قطاع التصنيع.
وفى الفترة من عام 2003 إلى عام 2016 تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى المعدل حسب التضخم فى دول مثل إثيوبيا ورواندا، وغانا، وموزمبيق، وزامبيا أكثر من الضعف.
ولايزال الطريق أمام أفريقيا طويلاً، ولكن هناك الكثير من الأشخاص على قيد الحياة سيعيشون لرؤية هذا الازدهار وفى الواقع سيكون هناك على الأرجح فترات صعود وهبوط على طول الطريق ويتباطأ النمو تارة ويتسارع أخرى وتسير بعض البلدان الأفريقية إلى الأمام وستتخلف بلدان أخرى عن الركب.
وذكرت الوكالة الأمريكية، أن أفريقيا لن تتمكن من اتباع نفس مسار النمو الذى تستخدمه آسيا بسبب انتشار الآلات التى ستقلل من خلق فرص عمل للمصانع، كما أن التهديد بتغير المناخ سيجبر البلدان الأفريقية على تطوير تنميتها باستخدام الطاقة الشمسية بدلاً من الوقود الأحفورى.
ومن المحتمل أن نرى الأشخاص الذين يتحدثون فى الوقت الحالى عن القرن الصينى سيتحدثون فى المستقبل عن القرن الأفريقى بدلاً من ذلك.