على الرغم من تدريسى الأكاديمى للأسواق المالية منذ عدة سنوات، إلا إننى لم أتناول البورصة المصرية فى كتاباتى من قريب أو بعيد، وها أنا اليوم أقتنص الفرصة لأتطرق إليها فى مقال منفرد.
فما جعلنى أكتُب عن البورصة اليوم هو التصريح بأن مصر تستهدف طرح حصص 23 شركة فى إطار برنامج لجمع 80 مليار جنيه خلال 24 إلى 30 شهراً من أجل توسيع قاعدة الملكية وزيادة رأس المال السوقى للبورصة وزيادة قيمة وحجم التداول اليومى، حيث سيتم البدء بطرح حصص ما بين 4 و6 شركات حكومية بالبورصة خلال 2018 لجمع 12 إلى 15 مليار جنيه (679-848 مليون دولار)، كما سيتم طرح ما بين 18 شركات فى البورصة خلال 2019 لجمع 30 إلى 40 مليار جنيه.
تلك التصريحات لا يشوبها شائبة حتى هذه اللحظة، وعلى القارئ أن يعلم جيداً أن البورصة هى أداة جيدة لجذب الاستثمارات، وهى أداة لتمويل الاقتصاد عن طريق جذب المدخرات، والبورصة هى الضامن الرئيسى للحصول على الموارد المالية للمؤسسات على المدى الطويل، وهى وسيلة لتوجيه الفوائض المالية نحو المؤسسات الاقتصادية ذات العجز فى التمويل أو التى تريد توسيع نشاطها من أجل المساهمة فى التنمية والتطوير، وبالتالى فهى تساهم بشكل مباشر فى تحقيق النمو الاقتصادى، وتمثل القناة الرئيسية للتمويل المباشر والسريع والأمثل بين المدخر والمستثمر.
ويمكن أن نقول أنها توفر الفرص الاستثمارية المتنوعة، ومؤشر للحالة الاقتصادية للدولة، ومن خلال العرض والطلب على الأسهم تعتبر أداة لتقويم الشركات والمشروعات المطروحة من خلالها، وعن طريقها يمكن جذب الاستثمارات الأجنبية.
أما ما أزعجنى هو التعليقات على خطوة طرح الشركات بالبورصة، ما بين مؤيد ومعارض، فالآراء المعارضة يجب أن تؤخذ محل اعتبار ولا يجب تجاهلها.
ومن هذه الآراء المعارضة من يقول إن خطوة الطرح بالبورصة هى بمثابة العودة إلى الخصخصة وتم فرضها من جانب صندوق النقد الدولى، وفى ذلك الشأن أقول أن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تتبعه مصر يتطلب حرية السوق وانسحاب الحكومة تدريجياً من إدارة الأنشطة الاقتصادية كى تتحقق الكفاءة الاقتصادية، وبالتالى أؤيد هذا الرأى مع التحفظ على بعض النقاط، إذ يعتبر الطرح بالبورصة نوع من الخصخصة الجزئية للشركات المطروحة، يتيح تعدد الملاك وفقاً لامتلاكهم الأسهم المطروحة، ونصيب كل مالك من تلك الأسهم.
وبالنسبة لحصيلة البيع نتيجة الخصخصة فهى تذهب مباشرةً إلى خزينة الدولة، أما حصيلة بيع الأسهم بالبورصة فمن المفترض أن تذهب حصيلتها للشركات المطروحة أسهمها بهدف تحقيق التطوير الاقتصادى المنشود لتلك الشركات، ولا ينبغى أن تذهب تلك الموارد إلى سد عجز الموازنة.
فكل شركة يجب أن يكون لديها خطة اقتصادية تطويرية تستهدف تحقيقها قبل أن تقدم على طرح أسهمها، وبناءً على تلك الخطة يكون الإقبال على شراء الأسهم.
وحتى تحظى البورصة بالكفاءة فهذا سيتطلب توافر سمات محددة بها مثل:
• كفاءة التشغيل: بمعنى أن تتضاءل تكلفة المعاملات إلى أقصى حد مقارنة بالعائد الذى يمكن أن تسفر عنه تلك المعاملات.
عدالة السوق: بمعنى أن تتيح السوق فرصة متساوية لكل من يرغب فى إبرام الصفقات.
فالمغالطة بين كون البورصة أداة تمويلية للشركات المطروحة، وتحويلها إلى أداة تمويلية لسد عجز الموازنة، فى حد ذاته سيؤدى إلى فقد البورصة بوصلتها ويبعدها عن هدفها، وستتحول الاستثمارات التى استطاعت جذبها من كونها استثمارات إنتاجية لتصبح استثمارات استهلاكية ليس لها جدوى مستقبلية.
د/ شيماء سراج عمارة
خبير اقتصادى
[email protected]