اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 74
لاشك أن الحرب التجارية المندلعة بين أمريكا والصين هى القضية الساخنة على ساحة التجارة العالمية.. لدرجة تزيد من القلق على شكل ومنحى التجارة العالمية ومستقبل الاقتصاد العالمى خلال الفترة القادمة.
فدولة كالصين استعادت صدارتها خلال 2017 كأكبر مصدر فى العالم بنحو 2.2 تريليون دولار من إجمالى إنتاجها البالغ 23.12 تريليون دولار محتلة المركز الأول من حيث حجم الإنتاج، تلاها الاتحاد الأوروبى (19.9 تريليون دولار) ثم الولايات المتحدة فى المركز الثالث (19.3 تريليون دولار).
وقد بلغت حصة السوق الأمريكى نحو 20% (بما يقرب من 500 مليار دولار) من الصادرات الصينية محتلة المرتبة الثالثة هذا العام… محققة عجزاً فى الميزان التجارى الأمريكى لصالح الصين بنحو 375 مليار دولار؛ حيث بلغت صادرات امريكا للصين 130 مليار دولار مقابل 506 مليارات دولار حجم وارداتها من الصين.
هذا الوضع دفع الولايات المتحدة الأمريكية فى ظل سياسة الحمائية التى تتبعها منذ تولى الرئيس ترامب مقاليد السلطة فى أمريكا إلى فرض تدابير جمركية حمائية مستهدفة حماية الصناعة الأمريكية وتقليلاً للعجز التجارى الذى تعانيه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام.
فقد بدأ الرئيس الأمريكى ترامب فى الفترة الأخيرة بفرض رسوم جمركية على واردات الحديد والألومنيوم الوارد إلى أمريكا من عدد من الدول من بينهم الصين، وجاءت كالتالى 25% رسوماً جمركية على واردات الحديد و10% على واردات الألومنيوم.. تلاها بعد ذلك فرص رسوم جمركية على واردات بضائع صينية تخطت قيمتها 60 مليار دولار تقليلاً لعجز الميزان التجارى مع الصين وعقاباً لها على سرقة حقوق الملكية الفكرية فى مجال التكنولوجيا، ثم تهديد جديد من ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار أمريكى على الواردات الصينية، أى ما يعادل 20% من واردات امريكا من الصين فى 2017.. وهى نسبة كبيرة جداً تهدد حجم الصادرات الصينية عالمياً بشكل عام وإلى أمريكا بشكل خاص.
وجاء رد الصين سريعاً على التدابير الأمريكية ضدها بفرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية إليها بسنبة 25% على 128 سلعة أمريكية واردة إليها، بالإضافة الى تبنيها ما يسمى اليوان البترولى بسداد المعاملات التجارية فى مجال البترول باليوان سعياً منها لتقليل سيطرة الدولار على اقتصادها مستفيدة من اعتراف صندوق النقد الدولى بعملتها فى سبتمبر 2016 بأن يكون ضمن سلة العملات فى حقوق السحب الخاصة كعمله رسمية من عملات الاحتياطى الأجنبى، لدرجة أنها سمحت فى تجارتها مع بعض الدول بإمكانية تبادل حصة من المدفوعات بالعملات المحلية Currency Swapping مثلما حدث مع مصر، وصلت فى بعض الأحيان إلى سداد مشترياتها من البترول باليوان، فهى المستورد الأول للبترول فى العالم، وأن تذهب إلى هذا الاتجاه بجعل عمتلها أساساً للتعامل التجارى مع بعض الدول، لن يمر مرور الكرام أمام أقوى عملة فى العالم وهى الدولار، لأنه بالتأكيد سيدفع دول عديدة إلى اقتناء العملة الصينية لدى بنوكها المركزية لدفع قيمة وارداتها من الصين بهذه العملة.. وهو ما قد يؤثر على سعر الدولار مستقبلاً.. بل قد يهدد عرشه وسيطرته على صفة العملة رقم واحد فى العالم.. فهل ستقف أمريكا مكتوفة الأيدى أمام ذلك؟؟
وما يجعل الصين فى موقف القوى، أنها الدائن الأكبر لأمريكا فى اذون الخزانة.. وطالما هددت الصين بأمريكا بسداد ديونها للصين.. وإذا تم ذلك ستكون ضربة للاقتصاد الأمريكى المثقل بالديون.. وهو ما يدفعنا للسؤال: لماذا تستثمر الصين فى أذون الخزانة الأمريكية؟؟ هذا التقليد من فترة زمنية بعيدة حيث تحصل الصين على جزء من ثمن صادراتها لأمريكا فى شكل أذون خزانة تراكمت عبر الزمن لتصل الى هذه الكم الهائل الذى يعطى للصين قوة تفاوضية واقتصادية أمام الاقتصاد الأمريكى، وكان الاستثمار فى أذون الخزانة مقابل استمرار تدفق الصادرات لأمريكا من ناحية واستمرار لتدفق الاستثمارات الأمريكية كاستثمار أجنبى مباشر إلى الصين مع احتفاظ الصين بقدرتها على الإبقاء على سعر صرف عملتها منخفضاً من ناحية أخرى (يعنى بنظام سيب وأنا سيب؛ win-win)..
هذا الوضع اكسب الصين وضعاً اقتصادياً قوياً ولاسيما بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية وزيادة نصيبها من التجارة العالمية، ومع توسعها الاستثمارى خارج الصين فى أوروبا وأفريقيا، لدرجة أن ألمانيا فتحت تحقيقاً بشأن تزايد حجم الاستثمار الاجنبى الصينى فيها نتيجة عمليات الاستحواذ الكثيرة التى قامت بها الشركات الصينية فى السنوات الأخيرة، وكأن الصين أصبحت أخطبوطاً اقتصادياً يمد أذرعه إلى جميع مناطق العالم لزيادة نفوذها الاقتصاد، وبصراحة دى شطارة مش عيب.
لاشك أن هذه الحرب التجارية ستؤثر على العالم أجمع وإن استمرت ستجلب خسارة على الجميع وستؤثر بالسلب على نمو الاقتصاد العالمى، كما قالت كريستين لاجارد: الجميع سيخرج خاسراً من هذه الحرب التجارية إذا استمرت.
وأنا أرى أن الطرفين سيلجآن للتفاوض بعد هدوء التوترات والحرب الكلامية بين السياسيين لأنه ليس من مصلحتهما الاستمرار فى هذه الحرب فهناك شركات أمريكية كبرى كثيرة تعمل فى الصين، كمان أن السوق الأمريكى سوقاً مهم جداً للصادرات الصينية، وكل منهما يستعرض قوته ليكسب موقفاً تفاوضياً أكبر يتيح له أفضل مكاسب وأقل خسائر على أرض الواقع.. فى ظل صراعهما على الموارد الطبيعية والتجارة فى العالم.. فقد ظلت أمريكا الاقتصاد الأول على العالم حتى تخطتها الصين.
وعلى مصر أن تعى جيداً كيف تستفيد من هذا الوضع بالتحوط بزيادة رصيدها من اليوان فى علاقتها التجارية مع الصين وتبنى سياسات تجارية حذرة مع الطرفين فى ظل تصاعد سياسة الحمائية التى تنتهجها أمريكا مستفيدة، مما تتيحه اتفاقية الكويز من نفاذية للسوق الأمريكى، من جانب وما يخلقه طريق الحرير من فرص من جانب آخر، فتعدد وتنوع العلاقات التجارية مهم جداً لمصر ولمنتجاتها.
كما انصح مصر بالتحرك نحو تبنى تكنولوجيا البلوك تشين واستغلال ما تتيحه من فرص سداد دولية من خلال العملات الافتراضية..
وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية
