
بقلم: ديفيد بيلينغ
محرر متخصص فى شئون أفريقيا
لا تعد التجارة الحرة القضية الراهنة الوحيدة، فهناك الولايات المتحدة والصين اللتين تعملان على فرض رسوم جمركية على كل من الصلب ولحم الخنزير والنبيذ.
كما يجرى إعادة النظر فى اتفاقيات التجارة الحرة، مثل نافتا، وتشتد شراسة ردة الفعل السياسية تجاه العولمة لدرجة تسببت فى فشل جولة الدوحة لعقد مفاوضات التجارة العالمية، ومع ذلك توجد منطقة واحدة فقط فى العالم تخالف الاتجاه السائد، وهى أفريقيا.
ووقعت 44 دولة أفريقية، فى مارس الماضى، اتفاقية تجارة حرة على مستوى القارة، حيث ستعمل هذه الاتفاقية على خفض التعريفات الجمركية إلى صفر على 90% من الواردات، وتحرير التجارة فى الخدمات، ورغم تعرض مبادئ التجارة الحرة لهجوم أيديولوجى فى أجزاء كثيرة من العالم، إلا أن القضية فى أفريقيا تدور حول خلق مزيد من التجارة البينية بشكل كبير.
وتحتاج أفريقيا إلى التجارة الحرة لأسباب عديدة، أهمها إعادة تشكيل التاريخ، حيث تسبب الاستعمار فى ترك التنمية فى القارة الأفريقية فى حالة سيئة، كما أن قليل من بلدانها يتمتع حالياً بالمعايير الكافية لجذب الاستثمارات أو زيادة التصنيع.
ويبلغ إجمالى الناتج المحلى لأفريقيا بأكملها نحو 2.5 تريليون دولار، وهو تقريباً ما يعادل إجمالى الناتج المحلى للمملكة المتحدة، التى لم تتعرض للتقسيم إلى 54 دولة، كل منها لديه سياساته ولغته وبيئته التنظيمية وحدوده الخاصة.
ويوجد ما لا يقل عن 16 دولة أفريقية غير ساحلية «حبيسة»، والأسوأ من ذلك، أنهم محاصرون فى تاريخ استخراج الموارد الطبيعية فبالنسبة للقوى الاستعمارية، كانت المستعمرات الإفريقية موردة للمواد الخام، فقد كان هناك روابط تصل إلى الميناء، ومن الميناء إلى المستعمرات، وهو ما ترك إرثا لا يمحى.
وحتى لو حاولت تلك الدول التخلص من هذا التاريخ، لم تستطع العديد من الحكومات الأفريقية المتواجدة منذ مرحلة ما بعد الاستعمار كسر النمط الأساسى للتجارة، المتمثل فى استخراج المواد الخام وجلب السلع المصنعة.
ولذلك يعد التنويع الاقتصادى هو أساس التنمية، ومع ذلك، فإن معظم الاقتصادات الأفريقية، باستثناء جنوب إفريقيا ومصر وعدد قليل من الدول الأخرى، عالقين كموردين للسلع الأساسية.
وتعد التجارة البينية وسيلة للخروج من هذا المأزق، ولكن التجارة بين دول إفريقيا منخفضة، ففى عام 2016، استحوذت الصادرات داخل أفريقيا نسبة 18% من إجمالى الصادرات، مقارنة بـ59% و69% للصادرات داخل آسيا وداخل أوروبا على التوالى، وذلك وفقاً لما ذكره معهد بروكينغز الأمريكى.
وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، يمثل مصنعى التكنولوجيا المتوسطة والمتطورة نسبة 25% من التجارة بين الدول الأفريقية، وتتجه 14% فقط من صادرات الدول الأفريقية إلى الدول المتقدمة، وتعتبر التجارة البينية طريقة لتحريك سلسلة القيمة.
وقد مدت شركة فايرستون للإطارات والمطاط العالم بالمطاط الليبيرى منذ عام 1926، وطوال تلك المدة، لم يتم إنتاج إطار واحد فى بلاد غرب أفريقيا، التى يبلغ عدد سكانها 4.6 مليون نسمة، ولكن إذا كان جزءاً من منطقة التجارة الحرة يغطى قارة تضم 1.2 مليار شخص، فربما تتغير حسابات التصنيع.
ويعتقد تشيدو أوساكوى، كبير المفاوضين فى نيجيريا، أن التجارة القارية ليست إلا وسيلة لعكس مسار الإرث الاستعمارى للاقتصادات الإفريقية المجزأة والمستقطبة.
ويبدو أن التنقل بين القارات لن يكون أمراً سهلاً، حيث يتعين على الدول، فى البداية، بناء طرق وسكك حديدية عابرة للقارات وتثبيت الطاقة المنتظمة وتطبيق الجمارك اللازمة لتحويل الرسوم الجمركية المنخفضة إلى تجارة وإنتاج فعليين.
وفى الوقت نفسه، لم توقع نيجيريا، التى تعد أكبر اقتصادات أفريقيا، بعد على اتفاقية التجارة الحرة، بسبب معارضة الاتحادات المحلية، التى حذرت، مما أطلق عليه اسم «مبادرة السياسة النيوليبرالية المشعة»، ولا يمكن تجاهل مثل هذه المعارضة ببساطة، فقد عانت قضية التجارة الحرة عالمياً، نظراً لوجود خاسرون وفائزون فى أى تدابير تجارية.
ومع ذلك، يوجد شىء ما يحدث بالفعل، فبينما لاتزال التجارة بين الدول الأفريقية منخفضة، إلا أنها ارتفعت بمقدار 11 ضعفاً منذ عام 1990، وذلك وفقاً لما قالته شركة «رينيسانس كابيتال».
وفى الوقت الذى تباطأت فيه التجارة مع الولايات المتحدة وأوروبا أو حتى انعكست مسارها، تضخمت التجارة مع دول مثل الصين والهند وروسيا وتركيا وإندونيسيا، وهو ما قد يخلق احتمالية وجود نوع جديد من العلاقات التجارية الأكثر تعقيداً وفائدة بالنسبة لأفريقيا، ومع ذلك، لم يتغير نمط التجارة بشكل كافى، ولكنه يتغير، ومن المحتم أن يتغير بشكل أكثر.
إعداد: منى عوض
المصدر: صحيفة الفاينانشيال تايمز