استطاع اقتصاد المملكة المتحدة، تجنب التعرض لكثير من السيناريوهات الكارثية التى سبق توقعها بعد إجراء استفتاء انفصال البلاد عن الاتحاد الأوروبي، وذلك قبل عام واحد فقط يفصل المملكة عن الخروج.
ولكن يبدو أن الأمر أكبر من ذلك، إذ قالت وكالة أنباء بلومبرج إن الإنتاج سجل ارتفاعا فعليا كل ثلاثة أشهر منذ التصويت على خروج بريطانيا، ليزداد بنسبة 1.8% العام الماضي، وهو ما يفوق التقديرات التشاؤمية الصادرة عن وزارة الخزانة البريطانية والتقديرات الأخرى الصادرة عقب الاستفتاء مباشرة.
ومن بين الأخبار الجيدة الأخرى، اقتراب البطالة من أدنى مستوياتها منذ السبعينيات وانخفاض التضخم، كما أن مؤشر «بريكست بارومتر» الخاص ببلومبرج، الذى يتتبع 22 مؤشرا للمملكة المتحدة، وصل إلى أعلى مستوياته منذ 17 شهرا، ولكن تلك النتائج، التى جاءت أفضل من المتوقع، ربما تصرف الانتباه عن أوجه الخلل الموجودة فى اقتصاد المملكة المتحدة وضعف أدائها النسبى فى الإطار الدولي.
وفى الواقع، لا يزال يقترب توسع اقتصاد البلاد، الذى كان أقوى من المتوقع، من ذيل الجداول البيانية لمجموعة الدول الصناعية السبع فى العام الماضي.
كما أن منطقة اليورو المجاورة، سجلت نموا كان يعد الأفضل خلال عقد من الزمن، وتجاوز التوقعات بشكل أكثر من بريطانيا.
وشهدت الولايات المتحدة أيضا، عاما من الأداء القوي، وسط التوقعات التى تفيد بأن التخفيضات الضريبية التى اقترحها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ربما تدعم التوسعات الاقتصادية خلال العام الحالي.
وقال صندوق النقد الدولي، يناير الماضي، إن الانتعاشة العالمية كانت الأوسع نطاقا فى 7 سنوات، إذ يمثل النمو الأسرع فى 120 دولة ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي، وهذا بدوره يشير إلى الإدعاء، الذى استخدمه المعهد الوطنى للبحوث الاقتصادية والاجتماعية البريطانى وغيره، الذى يفيد بأن الطفرة فى القارة وباقى العالم جاءت لمساعدة المملكة المتحدة، رغم قرار بريطانيا الانفصال.
وأشارت التقديرات إلى أن انتعاشة الاقتصاد العالمى أضافت نحو 0.6 نقطة مئوية إلى إجمالى الناتج المحلى البريطانى العام الماضي.
وقالت الوكالة الأمريكية، إن الطلب المحلى قدم يد العون فى العام الماضي، حتى مع الضغط على الإنفاق الاستهلاكى نتيجة التضخم السريع.
فرغم تباطؤ النمو، إلا أنه كان لا يزال أقوى من المتوقع، إذ وفرت سياسات سوق العمل القوية للأسر، الثقة لاقتراض المزيد وادخار أقل.
ولكن هذا الأمر آثار مخاوف بشأن الاستدامة وتراكم الديون، مما يزيد من تداعيات رفع أسعار الفائدة أو تحول معدلات البطالة البالغة 4.3%، حتى إن هيئة السلوك المالى البريطانية حذرت مؤخرا من إمكانية تأثير الزيادة التدريجية فى أسعار الفائدة سلبا على المستهلكين الذين يمتلكون مستويات عالية من الديون.
وفى الوقت نفسه، يعانى الاستثمار من عرقلة ناجمة عن حالة عدم اليقين التى تدور حول خروج بريطانيا.
وقال بنك إنجلترا، إن الاستثمار التجارى سجل أداء أقل بـ 4 نقاط مئوية مما كان سيكون عليه لو لم تصوت بريطانيا لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي.
كما أن ثمة بيانات صادرة مؤخرا أظهرت انخفاض التصنيع فى فبراير الماضي.
وقال محافظ بنك انجلترا مارك كارني، للمشرعين، يناير الماضي، إن الاستثمار سجل أداء أقل بكثير مما ينبغى أن يكون عليه، نظرا لصحة الاقتصاد العالمى والأوضاع المالية السهلة والميزانيات القوية، وكان يمكن لذلك أن يتغير إذا كان لدى الشركات مزيد من اليقين بشأن الخروج، وهو أمر جاء على شكل اتفاق انتقالى أقيم فى 19 مارس الماضي.
وأظهر استطلاع للرأي، أجرته شركة ديلويت، أن هذا الاتفاق عزز التفاؤل بشأن الأعمال التجارية، وذلك فى ظل ضعف النمو الاقتصادى الذى يحل الآن مكان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى باعتباره على رأس المخاطر.
ففى الوقت الذى يتضح فيه أن الاقتصاد قويا بشكل عام، فإن الشهور التى انقضت منذ ذلك الحين كانت بمثابة جولة سريعة.
كتبت – منى عوض