تتبع الاضطرابات التى تشهدها اﻷسواق الناشئة، نمطاً مماثلاً لأزمة ضربت التجارة العالمية قبل أكثر من عقدين من الزمن، بما فى ذلك أزمة «البيزو» المكسيكى فى عام 1994، التى كانت تعرف آنذاك باسم «تيكيلا».
وفى منتصف فترة التسعينات، أشعلت زيادات أسعار الفائدة اﻷمريكية تراجعا فى قيمة البيزو المكسيكى الذى عزز هروب رؤوس الأموال وتسبب فى الأزمة، التى عرفت بالتيكيلا.
وفى غضون سنوات، انتشرت عمليات البيع إلى آسيا، التى أصبحت مركزاً ﻷزمة السوق الناشئة، خلال الفترة التى انخفضت فيها قيمة عملاتها بجانب معاناة المنطقة حالة من التردى الاقتصادي، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى فى عام 2018.
فثمة أزمة تختمر فى أمريكا اللاتينية، إذ تسعى اﻷرجنتين إلى تمويل طارئ من صندوق النقد الدولي، فى ظل ارتفاع قيمة الدولار والعائدات على السندات اﻷمريكية، ولكن هذه المرة، بحسب ما قاله المدير الإدارى لدى بنك ماكوارى، نظام أدريس، فإن آسيا أقل عرضة للعدوى.
وفى الوقت الذى تذكره فيه المخاوف الحالية من أمريكا اللاتينية بأزمة التيكيلا، قال إدريس إن الاقتصادات الآسيوية أقوى بكثير اليوم، فالعجز فى الحساب الجارى أصغر بالفعل، والاحتياطيات الأجنبية أكبر بكثير من ذى قبل، والعملات غير مفككة، وبالتالى فإن الوضع اليوم لا يشبه إطلاقاً الوضع عام 1995.
ويبدو أن إدريس ليس وحده، فبنك «كومنولث» الأسترالى، يرى أيضاً أن العملات الآسيوية تتقدم بشكل أفضل من نظيراتها فى أماكن أخرى فى العالم النامي، حتى إذا زادت حدة الأزمة الناشئة فى أمريكا اللاتينية.
وقالت وكالة أنباء بلومبرج، إنه فى حين توجد استثناءات، فإن الروبية الإندونيسية أكثر عرضة للمخاطر من غيرها لكون إندونيسيا واحدة من الأسواق الناشئة الآسيوية القليلة التى تعانى من العجز فى الحساب الجاري، وتشير الأزمات التى تسببت فى تفاقم البيع هذه المرة فى الأرجنتين وتركيا إلى أنها غير اعتيادية بطبيعتها مع مخاطر أقل ضرراً.
وبعد محو كل مكاسبهم تقريباً لهذا العام بسبب ارتفاع التضخم اﻷمريكى وتوترات التجارة العالمية، عادت أصول الأسواق الناشئة الأسبوع الماضى للارتفاع، وكانت العملات الآسيوية هى الرابحة، إذ خرجت 7 من بين أفضل 10 عملات أداء فى الأسواق الناشئة خلال الربع السنوى الحالى، من المنطقة.
وقال المحللون لدى شركة نومورا القابضة، التى يقودها روب سوبارامان، فى تقرير صادر عنهم، إن ضربتى ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وارتفاع قيمة الدولار، تؤديان إلى ارتفاع علاوة مخاطر الاستثمار فى الأسواق الناشئة، التى تتسم بضعف ميزان مدفوعاتها.
وكانت الدول الآسيوية، بما فى ذلك تايلاند والصين وكوريا الجنوبية، من بين الدول الأقل عرضة لمخاطر ميزان المدفوعات، وفقا لدراسة أجرتها شركة نومورا فى 20 سوقاً ناشئاً.
وسلطت الوكالة اﻷمريكية الضوء على الأسباب التى من شأنها جعل آسيا تتمتع بوضع أفضل بعد كل شىء، وهى:
أولاً: الحساب الجارى
تتمتع 6 من أصل 9 اقتصادات رئيسية فى آسيا، باستثناء اليابان، بفوائض فى حساباتها الجارية، وذلك بقيادة سنغافورة وتايوان وتايلاند التى تتجاوز فوائضها نسبة الـ 10% من إجمالى الناتج المحلي، فى حين تعانى إندونيسيا والهند والفلبين من عجز فى حساباتها الجارية.
وقال أندى جي، الخبير الاستراتيجى فى العملات ببنك كومنولث اﻷسترالي، إن أرصدة الحساب الجارى الأفضل، تدل على أن آسيا مجهزة بشكل أفضل للوفاء بالتزاماتها المقومة بالدولار إلى حاملى سنداتها.
ثانياً: الدوافع الاقتصادية
كانت الزيادة المستدامة فى أسعار اﻷسهم والسندات، التى دامت عامين، وقادت الأسهم والأسواق الناشئة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2007 على الأقل، مدعومة من قبل الأساسيات الاقتصادية، ولاتزال آسيا تجذب الانتباه.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولى إلى أنه من المرجح أن تتوسع اقتصادات آسيا النامية إلى متوسط يبلغ 6.5% فى عام 2018 مقارنة بـ 4.9% بالنسبة لكافة اﻷسواق الناششة.
وأشارت دراسة استقصائية أجرتها «بلومبرج»، على عدد من الاقتصاديين إلى أن التضخم سيتسارع فى آسيا، باستثناء اليابان، إلى 2.3% فى العام الحالي، مقارنة بمتوسط عالمى يقدر بـ 3.3%، رغم الرياح المعاكسة المتمثلة فى السياسة النقدية الأكثر تشددا من جانب بنك« الاحتياطى الفيدرالى»، وارتفاع عوائد السندات اﻷمريكية.
وبينما أصبحت الفلبين أحدث الأسواق الناشئة التى تُقدم على خطوة رفع أسعار الفائدة لكبح مكاسب الأسعار فى الاقتصاد المزدهر، خفض كل من بنك كوريا المركزى والبنك الاحتياطى الهندى، توقعاتهما للتضخم فى أبريل الماضي، كما خفضت الصين بالفعل معدل الاحتياطى النقدى مرتين العام الجارى.
وقال كوجى فوكايا، الرئيس التنفيذى لدى شركة «أف.بي.جى سيكيوريتيز» فى طوكيو: «الأسس فى آسيا أفضل من المناطق الأخرى، بينما تعتبر المخاطر السياسية والجيوسياسية أقل أيضاً».
وأضاف: «مكاسب العائدات الأمريكية تعتبر انعكاسا لحالة اقتصادية قوية هناك، وتستفيد آسيا من الاقتصاد الأمريكى القوى بشكل أكثر من المناطق الأخرى».
ثالثاً: السياسات
من المؤكد أن آسيا، مثل باقى الأسواق الناشئة الأخرى، تواجه مخاطر سياسية مع سلسلة من الانتخابات القادمة فى العامين المقبلين، بما فى ذلك إندونيسيا والهند.
وتأتى ماليزيا، مثال على ذلك.
فالشعب الماليزي، انتخب الأسبوع الماضي، مهاتير محمد، الذى تولى منصب رئاسة مجلس الوزراء لأطول فترة فى تاريخ البلاد، كزعيم وسط حالة من الغضب المفاجئ لإنهاء حكم رئيس الوزراء اﻷسبق نجيب رزاق.
وقال إيلى لي، رئيس استراتيجية الاستثمار فى بنك سنغافورة، فى مذكرة له: »فى وقت تتزايد فيه الضغوط على عملات وسندات الأسواق الناشئة، يحتاج الوضع فى ماليزيا لترقب حذر للآثار المحتملة، خاصة مع استمرار ارتفاع اﻷسعار وحالة عدم اليقين الجيوسياسي”.