لماذا يحتاج المجتمع المصرى للعمل وبخطوات حثيثة فى اتجاه تحقيق هدف التنمية البشرية؟ ما الركائز الأهم لتحقيق التنمية البشرية فى وقت نعانى فيه مشكلات متراكمة ومزمنة؟ لماذا يحتاج تحقيق التنمية البشرية وبشكل مستدام لأدوات مبتكرة وغير تقليدية؟ دعونا نبدأ أولاً بتعريف مفهوم التنمية البشرية الذى يمكن تلخيصه فى العمل على تنمية وتطوير القدرات البشرية وبشكل مستمر ومستدام وذلك بهدف الوصول بالمجتمع إلى مستوى مرتفع من الدخل والإنتاج وبما يمكنه من الارتقاء بمستوى معيشته ودخله؛ حيث يعتبر الإنسان العنصر الأهم فى سبيل تحقيق التطور الاجتماعى. مما تقدم يمكننا استنتاج أنه لكى يتطور المجتمع فلا مفر من العمل وبشكل جاد على تطوير وتنمية الإنسان، وأن تقدم المجتمعات لم يعد يقاس فقط بقدرتها على تحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية، إنما امتد ليشمل قياس تطور القدرات البشرية فى المجتمع الواحد وعن طريق مؤشر «Human Development Index» والذى يشمل عناصر رئيسية ترتكز على قياس مستوى التعليم لدى أفراد المجتمع، مستوى الرعاية الصحية وتأثيرها على متوسط الأعمار، وأخيراً مستوى الدخل والمستوى المعيشى للمواطنين. تحتل مصر المركز 108 فى مؤشر التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة، وهو ما يؤكد مدى احتياج المجتمع المصرى للجهود الصادقة ومن خلال كل مؤسساته وبأدوات غير تقليدية لعلاج مشاكله المزمنة والتى تراكمت عبر السنين. تعد صناديق الاستثمار الخيرية واحدة من تلك الأدوات المبتكرة التى ظهرت حديثاً للعمل على تحقيق التنمية البشرية وبشكل مستدام؛ حيث تم تعريف هذه الصناديق على أنها صناديق استثمارية يقتصر توزيع الأرباح والعوائد الناتجة عن استثماراتها على الإنفاق على الأغراض الاجتماعية أو الخيرية فى قطاعات التعليم، الرعاية الاجتماعية، الرعاية الصحية، تطوير القرى والعشوائيات وأى قطاع آخر يهدف إلى تنمية وخدمة المجتمع. تتميز هذه النوعية من الصناديق بأنها تدعم الدور المجتمعى فى تحقيق الاستدامة حيث يمكن أن تصل مدة الصندوق الواحد إلى 25 عاماً وبالتالى يساهم هذا الصندوق من خلال عوائده الدورية فى الإنفاق على تنمية الإنسان فى مصر لفترة طويلة، فضلاً عن أن قيمة الصندوق بالكامل فى نهاية مدته يمكن أن تنفق لنفس الأغراض المذكورة. كما تتميز هذه الصناديق بالمرونة فى تحديد أوجه الإنفاق بمعنى أنه إذا ما لوحظ مثلاً أن التبرعات بشكل تقليدى الموجهة إلى الجمعيات الخيرية لا تتجه للبحث العلمى، يمكن فى هذه الحالة توجيه جزء معتبر من عوائد الصندوق لهذا الغرض، وبالتالى سد ثغرة نقص التبرعات فى اتجاهات معينة هامة وحيوية. الميزة النسبية الأخرى لهذا النوع من الصناديق فى مصر مقارنةً بأمثالها فى العالم هى ارتفاع العائد المتوقع منها، وذلك لارتفاع أسعار الفائدة فى مصر (حيث يتم استثمار أموال الصندوق فى أدوات الدخل الثابت بنسبة كبيرة لضمان تحقيق عائد دورى) وبما يعود بالنفع على العوائد المتحققة من هذه الصناديق وقدرتها على خدمة المجتمع بشكل أكبر. الصناديق الخيرية وسيلة مبتكرة لخدمة المجتمع المصرى ونتوقع لهذه التجربة أن تحقق نجاحاً كبيراً فى مصر على المدى المتوسط وأن تقوم بدور حيوى يسهم بشكل فعال فى تنمية الإنسان المصرى وبشكل مستدام.