التعريفات الجمركية خطر يهدد أمريكا فى المقام الأول


بقلم: جيمس كونكا
الكاتب المتخصص فى شئون الطاقة فى مجلة «فوربس» اﻷمريكية

بعد أن فرض الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب تعريفات جمركية صارمة على الحديد والألمنيوم المستورد من ثلاثة من أكبر الشركاء التجاريين لأمريكا، وهى كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، واضعاً بذلك حداً للإعفاءات الممنوحة لهم منذ مارس الماضي، عندما تم الإعلان عن تعريفات جمركية بنسبة %25 على الصلب المستورد و%10 على الألومنيوم المستورد، أعلن الشركاء التجاريين الثلاثة فورا خططا للانتقام بفرض تعريفاتهم الخاصة على المنتجات الأمريكية.
وكانت الولايات المتحدة تتفاوض مع كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبى للتوصل إلى اتفاق تجارى أكثر منطقية، ولكن الرئيس اﻷمريكى حدد موعدا نهائيا، وهو اﻷول من يونيو الجاري، لبدء تطبيق التعريفات.
وقال وزير التجارة اﻷمريكى ويلبر روس إن العقوبات المفروضة على الصلب والألومنيوم تقع تحت قانون التوسع التجارى الذى يعود إلى عام 1962، والذى يمنح الرئيس اﻷمريكى سلطة واسعة لزيادة أو تخفيض التعريفات الجمركية على السلع التى تعتبر ضرورية للأمن القومي.
ويعد الصلب بالتأكيد حاسما لكل شيء تقريبا فى المجتمع، بما فى ذلك الأمن، ولكن العلاقات التجارية الحالية والأسعار لا تشكل خطرا على الأمن، بل إن التعريفات الجديدة نفسها تفرض تهديدا أكبر ﻷمن البلاد، فالضرر الذى أصاب الاقتصاد كان سلبيا بالفعل، كما أن عدم استقرار التجارة أمر سيئ للغاية بالنسبة إلى قطاع الأعمال، ناهيك عن أنه يؤذى حلفاء الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، يعد كلا من الألومنيوم والصلب اثنين من المعادن المهمة فى المجتمع الحديث، فالولايات المتحدة تستورد المزيد من الصلب والألومنيوم من كندا، التى تعد الحليف اﻷقرب للولايات المتحدة من أى بلد آخر على مر التاريخ، كما أن الثلاثة موردين التالين، وهم البرازيل وكوريا الجنوبية والمكسيك، يعتبرون حلفاء للبلاد أيضا، بينما الصين، البلد المستهدف اﻷصلى من غضب ترامب، لا توفر سوى %3 من الصلب للولايات المتحدة.
وقالت المكسيك إنها سترد بفرض تعريفات مماثلة على المصابيح الأمريكية ولحم الخنزير والفواكه والجبن والصلب المسطح، بينما أعلنت كندا أن الرسوم الجمركية على 12.8 مليار دولار من الصادرات اﻷمريكية لديها ستبدأ فى يوليو المقبل، ووضعت أوروبا تعريفات انتقامية، تتمثل فى فرض رسوم بنسبة %25 على المنتجات الأمريكية مثل الدراجات النارية ونسيج الدينم والسجائر وزبدة الفول السودانى والويسكى والبرتقال وعصير التوت البري.
وأوضح روس أن هذه القائمة العشوائية من المنتجات ليست عشوائية فى الواقع، فتلك الدول تستهدف ضرب قاعدة ترامب فى عدد من الولايات اﻷمريكية مثل ويسكونسين وكنتاكي، التى تعتبر الولايات الرئيسية لقيادة الحزب الجمهورى اﻷمريكي، بما فى ذلك رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته بول ريان وزعيم الغالبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.
وتجدر الإشارة إلى أن انتاج الصلب فى الولايات المتحدة يصل إلى أكثر من 80 مليون طن سنويا، وهو أقل من ذروته التى وصل إليها منذ نحو 10 أعوام فقد كان إنتاجه آنذاك يزيد على 100 مليون طن، بينما انخفض إنتاج الألومنيوم المحلى إلى الثلث تقريبا، فى ظل إغلاق ثلاثة أرباع مصاهر الألومنيوم منذ الذروة.
خلال هذا الوقت، رفع منتجو الصلب الأجانب الإنتاج بشكل كبير، ليتضاعف منذ عام 2000، كما أن إنتاج الصلب العالمى سجل الآن رقما تاريخيا يبلغ 1.6 مليار طن فى العام الواحد، مما أدى إلى انخفاض الأسعار فى الولايات المتحدة وخسارتها لآلاف الوظائف وزيادة الواردات الأمريكية، وبالتالى أصبحت الولايات المتحدة تستورد الآن أربعة أضعاف ما تنتجه من الصلب تقريبا.
وساعدت هذه الأسعار المنخفضة فى زيادة إنتاج العديد من الأشياء، مثل السيارات والطائرات وخطوط الأنابيب، التى بدورها خلقت العديد من الوظائف بشكل أكثر من الذى فقدته البلاد خلال إنتاج المعادن، ولكن هذه التعريفات الجديدة التى فرضتها إدارة ترامب ستتسبب فى الواقع بخسارة عشرة أضعاف عدد الوظائف التى يمكن أن تضيفها البلاد.
وتواصل الإدارة اﻷمريكية مجادلة مجلس الأمن القومى فى أن الاعتماد على الواردات يجعل البلاد عرضة للحظر من قبل أعدائها، رغم أن معظم واردات البلاد تأتى من الحلفاء، فأكثر من نصف الألومنيوم الذى تمتلكه الولايات المتحدة يأتى من كندا فقط.
ورغم محاولة إدارة ترامب النشطة فى إهانة حلفاء البلاد، إلا أنه من غير المحتمل أن تتوقف كندا أو المكسيك عن إرسال الصلب والألومنيوم للبلاد خلال حالات الطوارئ الوطنية.
وقدرت العديد من الدراسات التحليلة الآثار السلبية لهذه التعريفات الجمركية على بعض الصناعات المحددة مثل البناء، خاصة أنه هناك 17 مليون أمريكى تقريبا يعملون فى صناعات تعتمد على الصلب، ولكن ماذا عن صناعة الطاقة؟ فإنتاج الكهرباء ونقلها إلى اﻷماكن المطلوبة فيها يعتمد بشكل كبير على مواد مثل الصلب والخرسانة والنحاس والألومنيوم.
وتحتاج الطاقة الشمسية والرياح إلى الصلب أكثر من أى مصدر طاقة آخر، بينما يحتاج الغاز الطبيعى والطاقة النووية إلى معدلات أقل من الصلب، فالطاقة الشمسية تحتاج إلى 1600 طن من الصلب لكل ميجا وات، وطاقة الرياح إلى أكثر من 400 طن من الصلب، والغاز الطبيعى والطاقة النووية يحتاجان إلى 4 و40 طن فقط على التوالي.
ومهما كان السبب الكامن خلف تركيز الرئيس اﻷمريكى على التعريفات الجمركية، سواء كانت حملة وعود أو مجرد جهل صريح، فإن فرض تعريفات حمقاء سيضر كل من الولايات المتحدة وأى شخص آخر كذلك.

إعداد: منى عوض
المصدر: مجلة «فوربس الأمريكية»

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية



نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2018/06/07/1109607