بقلم: أورجيت باتل
محافظ البنك المركزى الهندى
بدأت اضطرابات التمويل الدولارى لاقتصادات الأسواق الناشئة منذ شهور، وعلى عكس فترات الاضطراب السابقة، لا يمكن إرجاع التقلبات الحالية إلى تحركات الفيدرالى فيما يخص أسعار الفائدة التى ارتفعت بشكل مطرد منذ ديسمبر 2016 بقدر محسوب.
وتنبع الاضطرابات من تزامن حدثين مهمين: تحركات الفيدرالى المنتظرة منذ وقت طويل لتقليص ميزانيته، والارتفاع الكبير فى إصدار سندات الخزانة الأمريكية للتعويض عن خفض الضرائب، وبالنظر إلى الارتفاع السريع فى حجم العجز الأمريكى، يتعين على الفيدرالى إبطاء خطط تقليص الميزانية، وإذا لم يفعل سوف تمتص سندات الخزانة جزءاً كبيراً من السيولة الدولارية، لدرجة ستجعل وقوع أزمة فى بقية أسواق السندات المقومة بالدولار حتمياً.
وإذا نظرنا إلى نطاق الحدثين، سنجد أنه منذ بداية أكتوبر 2017، بدأ الفيدرالى تقليل إعادة استثمار العائدات التى يتلقاها من أوراق الديون التى يحملها، وسوف يصل هذا التقليص إلى ذروته عند 50 مليار دولار شهرياًَ بحلول أكتوبر القادم، ثم إلى تريليون دولار بحلول ديسمبر 2019، وخلال الفترة نفسها، من المتوقع أن يتسع العجز إلى 804 مليارات دولار فى 2018 و981 مليار دولار فى 2019، ما يعنى إصدار ديون حكومية صافية بمقدار 1.69 تريليون دولار، و1.171 تريليون دولار على التوالى فى عامين.
وبالتالى فإن سحب التمويل الدولارى من قبل الفيدرالى نتيجة تقليصه لإعادة استثمار الدخل، يسير بنفس الوتيرة تقريباً مع صافى إصدار الديون من قبل الحكومة الأمريكية، وعلى مدار السنوات القليلة القادمة، سوف يستقر صافى إصدار الحكومة، وإن كان عند مستويات مرتفعة، بينما سيستمر تقليص ميزانية الفيدرالى.
وهذا التزامن غير المقصود أثبت أنه «صفعة مزدوجة» للأسواق العالمية، وتبخر التمويل الدولارى من أسواق الديون السيادية، وشهدت الأسواق الناشئة انعكاس حاد فى التدفقات الرأسمالية الأجنبية خلال الأسابيع الستة الماضية، وتجاوزت فى بعض الأسابيع 5 مليارات دولار، ونتيجة لذلك، انخفضت قيمة سندات وعملات الأسواق الناشئة.
وعندما أعلن الفيدرالى عن تطبيعه للميزانية، لم تكن تفاصيل ونطاق التخفيضات الضريبية لترامب معلومة، وبالتالى أصبح نطاق وتوقيت العجز المالى الأمريكى مفاجئة للأسواق.
وأظهر الفيدرالى، مرونة مثيرة للإعجاب فى رفعه لأسعار الفائدة منذ أن تم الإعلان عنها فى بيانات لجنة السوق المفتوح التابعة للفيدرالى فى 2012، وبالفعل لعب نهجه المرن دوراً حيوياً فى الحفاظ على الاستقرار المالى العالمى.
وعدل الفيدرالى، بحذر وتيرة رفع الفائدة وفقاً للظروف الاقتصادية الكلية، ولم تظهر الأثار المترتبة على رفع الفائدة سوى فى أكتوبر من العام الماضى، ولكنها أصبحت أكثر وضوحاً مع بدء تقليص الميزانية، وهذا يعود إلى أن الفيدرالى لم يتأهب أو لم يستوعب بالكامل الارتفاع غير المتوقع سابقاً فى إصدار السندات الحكومية، وعليه أن يفعل الآن.
والأنباء الجيدة هى أن هناك خياراً متاحاً أمام الفيدرالى لا يتطلب تغيير المسار السياسى ككل، فيمكنه ببساطة إعادة ضبط خطته للتطبيع، وتعديلها وفقاً لتأثير العجز الأمريكى، وأبسط القواعد فى ذلك، هى إبطاء وتيرة تقليص الميزانية بقدر كافى يعوض بشكل كبير -إن لم يعوض بالكامل- نقص السيولة الدولارية الناتجة عن الاقتراض الأمريكى الأعلى.
ومثل هذه الخطوة سوف تساعد فى تخفيف التأثير على الأسواق الناشئة، وتحد من الأثار على النمو العالمى من خلال سلاسل التوريد التى تربط الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وإلا ستزداد احتمالية «التوقف المفاجئ» للتعافى الاقتصادى العالمى.
وقد يتضرر الاقتصاد الأمريكى أيضاً، ويجب أن تتغير سياسة الفيدرالى نظراً لتغير الظروف، وسيظل الفيدرالى يسير فى نفس الاتجاه، ولكن بتقلبات أقل على طول الطريق.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»