كل أربعة أعوام،عندما يستعد المشجعون فى جميع أنحاء العالم للاحتشاد من أجل مشاهدة فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم، ينخرط الباحثون فى لعبة خاصة بهم، وهىمحاولة تحديد مدى تكلفة البطولة بالنسبة لأرباب العمل والاقتصادات، ولكنالحسابات المتعلقة بهذا اﻷمر تعتبر أكثر تعقيداً بقليل عما يسود عموما.
حتى يتم حساب عدد ساعات الإنتاجية المعرضة للخطر فى بطولة كأس العالم الجارية، يفترض أن ساعات العمل المحلية تبدأ من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، كما يفترض أن 50% من القوى العاملة لكل دولة سيكون لديها اهتمامبمشاهدة المباريات، وبالتالى قد يكون ما مجموعه 11.9 مليار دولار من إجمالى الناتج المحلى عالمياً عرضة للخطر فى أول أسبوعين من البطولة.
وقال كل من مود لافنشى، الباحث المشارك فى كلية «أي.أم.دى» لإدارة اﻷعمال،وويليام سميت، اﻷستاذ المساعد فى اﻷبحاث السوقية لدى كلية آسيا للأعمال، فى مقال تداولته وكالة أنباء بلومبرج اﻷمريكية، أن المسألة تزداد تعقيداً بدءاً من هذه النقطة.
ربما بشكل غير متوقع، يمكن أن تؤدى مشاهدة كرة القدم واقعيا إلى يوم عمل يتسمبمزيد من الإنتاجية، فكما كشفت ورقة بحثية صادرة مؤخراً، يمكن أن تؤثرمشاهدة كرة القدم فى سعادة المشجعين قبل ساعة من بدء زمن المباراة وإلى مايصل إلى ثلاث ساعات بعد انتهاء المبارة، بينما أظهر بحث آخر أن تعزيز سعادة اﻷفرد قد يجعلهم أكثر إنتاجية فى العمل بنسبة تتراوح بين 10% و12%، ممايعنى أن قضاء اللاعبين يوماً جيداً فى الملعب يؤدى إلى يوم عمل جيد، أماالتأثير السلبى لمشاهدة خسارة الفريق المفضل فضعف حجم سعادة فوزه.
إذا ماذا يخبرنا هذا اﻷمر عن بطولة كأس العالم؟
باستخدام هذه الأرقام كنقطة معيارية، تم حساب إلى أى مدى يمكن أن تؤثر النتيجةالمتوقعة لكل مباراة على إنتاجية العمال، وذلك بناءً على مراهنات بريطانية، ليتضح أن نصف المباريات الـ48 فى دور المجموعات يمكن أن يكون لها عواقباقتصادية.
ورغم أن هذه الحسابات تعتمد بطبيعتها على التكهنات، إلا أنها يمكن أن تروى قصة اقتصادية مفيدة، وفى هذه الحالة قد لا يبدو اﻷمر جيدا.
وبالنظر إلى إحدى مباريات البرتغال التى قد تقام وقت الظهيرة أى الساعة الواحدةظهراً بتوقيت البرتغال، مما يعنى أن عمال البرتغال سيكونون فى العمل لمدةساعة قبل المباراة وساعتين بعد انتهاء المباراة، وبالتالى نظرا للاحتماليةالكبيرة بفوز البرتغال فى هذه المباراة، فإنه من المقدر ارتفاع إنتاجيةالعمال بنسبة 2.6% فى ذلك اليوم، مما يعنى زيادة قدرها 19 مليون دولار فىإجمالى الناتج المحلى للبلاد.
وقد يبدو هذا الخبر سارا، ولكن هذهالزيادة لا ترتقى إلى حد التعويض عن الـ180 مليون دولار التى خسرها اقتصادالبرتغال خلال الساعتين المخصصتين لزمن المباراة، ناهيك عن الصفعة التى قدتضرب إنتاجية العمل إذا انهزمت البرتغال.
وتقدم البرازيل قصة تحذيريةأخرى، فمن المرجح أن المباريات التى خاضتها ضد صربيا وكوستاريكا كانتمكلفة، نظرا لتزامن المبارايات مع أيام العمل.
ورغم أن البرازيل تندرجضمن قائمة المرشحين للفوز بكأس العالم لكرة القدم، إلا أن زيادة الإنتاجيةالناتجة عن تحقيق مثل هذه الانتصارات لن تكون كبيرة أو دائمة بما يكفىلتعويض ساعات العمل الضائعة، وفى الوقت ذاته قد تشكل الخسارة غير المتوقعةكارثة حقيقية، فإذا انهزم المنتخب البرازيلى على أيدى نظيره الكوستاريكىفإن معدل الإنتاجية قد ينخفض بنسبة 14.4% فى الساعات التالية للمباراة،ويثار تساؤل هنا حول الخطوات التى ينبغى اتخاذها لتفادى مثل هذه الخسائر فى الإنتاجية.
وتوصلت حكومة البرازيل- وفقا لهذا الصدد- إلى نهج واحد، فهى قالت مؤخرا إنها ستسمح للعاملين فى البلاد بتعديل ساعات العمل فى اﻷيامالتى يستعد فيها الفريق الوطنى لخوض المباراة، أما فى الدور اﻷول منالبطولة، ستسمح معظم الوكالات العامة للموظفين بالرحيل مبكرا عند استعدادالمنتخب لخوض أى مباراة فى فترة ما بعد الظهر أو السماح لهم بالقدوم فى وقت متأخر عند لعب المنتخب صباحا، وبالتالى فإن هذا النهج يعترف على الأقلبالواقع الاقتصادى.
أما خارج البرازيل التى تشتهر بجنونها بالساحرةالمستديرة، من المحتمل أن يتبع عدداً قليلاً من الدول مثل هذه الخطوة،وبالتالى فإن كيفية التعامل مع المباريات سيكون متوقفا على أرباب العمل.
وبالنظر إلى ما يعرف عن كيفية تأثير الرياضة على السعادة والإنتاجية، فما الذى يبنغى فعله فى هذه الحالة؟
وتتمثل أحد الخيارات فى تجاهل اﻷمر برمته وتوقع ظهور الموظفين بشكل طبيعى، أماالخيار الآخر فيتمثل فى التفاوض من خلال السماح للعمال بتعديل جداولأعمالهم للتمكن من مشاهدة المباريات مقابل تعويض الوقت الضائع فى المشاهدةبطريقة أخرى، وبالتالى من شأن كل من اﻷمرين الحد من اضطرابات يوم العمل، ولكنهما قد ينطويان أيضا على فرص ضائعة.
أما الخيار الثالث، فهو يتمثل فى الاستفادة من كلام أسطورة كرة القدمالهولندية يوهان كرويف، الذى قال ذات مرة، إن الهجوم هو أفضل دفاع،وبالتالى وفقا لهذا المنطلق، لماذا لا يتم تشغيل التلفاز فى غرفة المكتبودعوة الموظفين لمشاهدة المبارايات سويا؟، فصحيح أن هذه الخطوة لن تساعد فى إنجاز الكثير من مهام العمل، ولكن يمكن التفكير فيها كفرصة لتحسينالمشاركة وزرع شعور أقوى بالمجتمع وبعض النوايا الحسنة على المدى الطويل.