بقلم: جايفن دايفس
رئيس مجلس إدارة شركة «فولكروم» لإدارة الأصول
أظهر أحدث التقارير الشهرية لشركة «فولكروم»، بشأن النشاط الاقتصادى العالمى، أنَّ التعافى فى معدلات النمو العالمى مستمر، بعد التباطؤ الذى حدث فى أوائل 2018.
ورغم أن هناك بعض العلامات المبدئية على القلق فى بعض مؤشرات الثقة المستقبلية فى الولايات المتحدة والصين، فإنَّ أحدث بيانات النشاط فى كلا الاقتصادين، يشير إلى معدلات نمو قوية بشكل كبير.
وإذا كان مقدراً للحرب التجارية أن تدمر هذه الاقتصادات الكبرى، وهى احتمالية كبيرة، فإنَّ الأمر لم يبدأ فى الحدوث بعد.
وفى منطقة اليورو، لا يزال النمو أضعف من المعدلات المشهودة فى النصف الثانى من 2017، ولكن معدلات النمو الأوروبية استقرت، حالياً، ومن غير المرجح أن تتراجع أكثر فى ظل النمو القوى فى أمريكا والصين.
وبشكل عام، ينمو النشط العالمى عند %4.4، وبحوالى %0.6 فوق اتجاهه طويل الأجل، وأعلى بنسبة مئوية كاملة عن معدله منذ شهرين.
وبالطبع، هناك مخاطر حقيقية لهذه الصورة الحميدة للنشاط العالمى اليوم، ويمثل تزامن المحفزات المالية والتشديد النقدى فى الولايات المتحدة صداعاً متزايداً فى رأس الاحتياطى الفيدرالى، والذى وجد فى الماضى صعوبة كبيرة فى إدارة هبوط ناعم فى وجه تحديات مشابهة فى نهاية الدورة الاقتصادية.
وعلاوة على ذلك، أثار بوضوح الارتفاع المفاجئ فى حدة التهديدات الحمائية من حكومة ترامب، خلال الأسابيع القليلة الماضية، الأسواق الناشئة، وساهم فى تجدد الاتجاه الصعودى للدولار.
ورغم أن التحليل الاقتصادى للمنطقة يشير إلى أن الضرر المباشر من أى ارتفاع فى التعريفات العالمية سوف يكون ضئيلاً نسبياً، مقارنة بفوائد الانتعاش الحالى فى الطلب المحلى العالمى، فإنَّ الأسواق المالية قد تتولى القيادة، وتشعل صدمة انكماشية تفشل النماذج الاقتصادية فى التنبؤ بها.
وفى الأسواق، تنتشر السيناريوهات المتشائمة أسرع، وإن لم يكن بالضرورة لمدى أبعد من السيناريوهات المتفائلة، وتعطى التدفقات الكثيرة من عناوين الأخبار الرئيسية عن التأثيرات السيئة للقيود التجارية فرصة كبيرة لانتشار التشاؤم.
وكما حدث فى 2015 – 2016، ستؤدى القيود الواضحة فى النظام المالى الصينى المصممة لمواجهة «الفيدرالى»، الذى يبدو عازماً على تشديد السياسة النقدية، إلى ضعف متزامن فى الأوراق المالية الصينية والرنيمبى، وفقد الرنيمبى، حالياً، نصف مكاسبه فى عام 2017 أمام الدولار.
وفى الأسبوع الماضى، كانت التدفقات فى الأسواق المالية مشابهة لتلك التى حدثت خلال أزمة أوائل عام 2016، واقتربت التدفقات الخارجة من صناديق الأسهم عبر العالم لمستوياتها القياسية لهذا القرن. واستُئنفت التدفقات الرأسمالية الخارجة من الصين، وتراجعت عملات الأسواق الناشئة بحوالى %11 أمام الدولار منذ أبريل، ما تسبب فى تشديد كبير للأحوال النقدية المحلية فى العديد من الاقتصادات الناشئة، فى ظل اتساع الفارق فى أسعار الفائدة والعائدات الائتمانية، وتراجع الأسهم بحدة.
والصين تعد الاستثناء الوحيد، إذ يتم خفض أسعار الفائدة، ولكن بشكل عام لا أحد ينكر، أنَّ ارتفاع الدولار بجانب المخاوف من الحمائية تشكل تهديداً للأوضاع المالية المحلية فى الكثير من الأسواق الناشئة، كما حدث خلال الفترات السابقة التى كان فيها الدولار مرتفعاً.
وحتى الآن، لم يضعف النشاط فى الاقتصادات الناشئة مع سوء الأوضاع المالية، ولكن هذا يتطلب مراقبة حذرة، لارتفاع احتمالية حدوث استجابة على المدى القصير.
وفى الوقت الراهن، يكمن التركيز الأساسى على خصمين رئيسيين ومهمين فى الحروب التجارية، وهما الولايات المتحدة والصين، وأى تراجع فى النشاط فى أى من الاقتصادين، سيقود بوضوح إلى زيادة كبيرة فى المخاطر الهبوطية فى أسواق الأسهم والسندات العالمية.
وحتى الآن، لا يزال كلا الاقتصادين قويين، وتشير أحدث التوقعات للولايات المتحدة إلى أن النمو سيصل إلى %3.6، وهو قريب من معدل النمو المسجل العام الماضى، وهذا ليس غريباً؛ لأنه يبدو متماشياً مع نماذج تتبع نمو الناتج المحلى الإجمالى فى الربع الثاني، مثل نموذج الفيدرالى فى ولاية أتلانتا، الذى يتوقع بلوغ النمو %3.8، وفيدرالى نيويورك عند %2.8.
وفى الصين، توقعاتنا أكثر إثارة للدهشة، وتشير إلى تحسن فى النمو يزيد على %8، ورغم أن معظم الاقتصاديين يتحدثون عن التباطؤ فى مبيعات التجزئة وتكوين رأس المال الثابت.
وأخيراً، وبإلقاء نظرة سريعة على منطقة اليورو، سنجد أن النمو تراجع بحدة فى كل الاقتصادات الأساسية، بما فى ذلك ألمانيا، ويتأرجح حالياً حول %1.8، ويبدو أن الانتعاشة التى شهدتها منطقة اليورو فى 2017 كانت قصيرة المدى، ولكن أيضاً تبدو احتمالات الركود بعيدة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»