بقلم: كارل بوب
رئيس مجلس سابق لمجموعة «سييرا» البيئية ومستشار لمايكل بلومبرج
يدل إعلان الصين والهند، الشهر الماضى، بأنهما تفكران فى تشكيل رابطة لمشترى البترول؛ لمقاومة القوة السوقية لرابطة الدول المصدرة للبترول «أوبك» على أن الارتفاع فى أسعار البترول العام الجارى من 30 إلى 80 دولاراً للبرميل يحدث فى سياق مختلف تماماً عن موجات الصعود السابقة، وقد تكون الرابطة المقترحة أنباء جيدة للاقتصادات المستوردة للبترول وللبيئة.
ومثل أى رابطة، تتواجد «أوبك» لرفع سعر البترول من خلال تقليل المنافسة، والخطورة الأكبر لهذا الأمر أن رفع الأسعار يسمح للمنتجين مرتفعى التكلفة (مثل شركات البترول الصخرى الأمريكى) بضخ المزيد من الخام، أو أن المستهلكين سيبحثون عن مصادر أخرى للطاقة بديلة للبترول.
وتمكنت «أوبك» من تجنب هذه المخاطر؛ لأنها تسيطر على أرخص بترول فى العالم، وعندما ينمو الطلب، تحد الرابطة من الإنتاج لرفع الأسعار، ويستطيع المنتجون المستقلون إدخال حقول بترول جديدة إلى السوق، ولكن هذا قد يتطلب عقداً من الزمن، وعندما تزداد المنافسة، تفتح «أوبك» صنابير الإنتاج مجدداً، وتخفض الأسعار، ما يجبر منافسيها على الخروج من السوق، مثلما حدث فى عام 2014، كما منعت فترات انخفاض الأسعار من أن تحل أنواع الوقود البديلة محل البترول.
ولكن عندما تجتمع المخاوف بشأن التغير المناخى مع الألم الاقتصادى لبلوغ البترول 100 دولار للبرميل، بدأت الدول المستوردة للطاقة البحث عن طرق أخرى لإنهاء اعتمادها على الوقود الملوِث والباهظ، واقترح وين جياوباو، رئيس الوزراء الصينى، إنشاء رابطة مضادة فى 2012، ولكنَّ المستوردين الآخرين مثل أوروبا والولايات المتحدة لم يكونوا مهتمين.
والآن مع تزايد وجود المركبات الكهربائية بشكل تجارى، أصبحت السلطة التى تملكها «أوبك» على الاقتصاد العالمى، واحتكارها للبترول يتضاءلان بشكل متزايد، ووصل البترول إلى 80 دولاراً للبرميل، الشهر الماضى، وهدأ قليلاً بعدها، ولكن قبل وصوله إلى ذروته، كان الاقتصاديون يحذرون الدول المستوردة للبترول مثل الهند والصين من أنه إذا واصلت الأسعار الارتفاع تجاه النطاق المستهدف لـ«أوبك»، فسوف تعانى اقتصاداتها من تباطؤ فى النمو، وفى الولايات المتحدة، استنتج الاقتصاديون، أن ارتفاع أسعار البترول فى 2017، خفض الأجور الحقيقية للفئات العمالية، بما فى ذلك %80 من القوة العاملة الأمريكية.
ومن المرجح أن إعلان الهند والصين بأنهما تحشدان قواهما لتحدى استراتيجية «أوبك» لرفع أسعار البترول سوف يجذب الدعم من اليابان وأوروبا.
وهذه أنباء جيدة؛ لأن الأسعار التى تسعى إليها المنظمة تحول ثروات مبالغ فيها إلى الدول البترولية مثل السعودية وإيران وروسيا، وتضر ببقية الاقتصاد العالمى، كما أن تكوين رابطة لمستوردى البترول قد تكون أنباء جيدة جداً للبيئة؛ نظراً إلى أن السيارات تشكل %70 من استهلاك البترول، وهو ما يعد أكبر مصدر لتلوث المناخ، وهو ما يجعل السيارات الكهربائية الحل لإنهاء إدمان البترول سواء كان رخيصاً أو باهظاً، حتى إن شركة «رويال داتش شيل» أقرت فى أحدث تحليلاتها، أنَّ الاتجاه إلى كهربة السيارات ضرورى لتحقيق أهداف باريس للمناخ.
ومن غير المرجح، أن تنضم الولايات المتحدة إلى الصين والهند، رغم أنه يتعين عليها ذلك، ويدّعى ترامب، أنَّ أمريكا منتج صافٍ للبترول، وليست مستهلكاً صافياً، رغم أنها لا تزال تدير عجزاً؛ بسبب البترول عند حوالى 200 مليار دولار، ويعادل العجز التجارى لأمريكا مع كندا وألمانيا واليابان مجتمعة.
ومع ذلك، فإنَّ وجود رابطة تضم الصين والهند وأوروبا واليابان سيكون لها سلطة تفاوضية قوية للغاية، ويمكن أن توضح لـ»أوبك«، أنَّ قطاع النقل يجرى تحويله بعيداً عن البترول تجاه الكهرباء، وأن هذا التحول قد يكون بوتيرة أبطأ إذا تمكنت جميع الأطراف من الاتفاق على أسعار معتدلة تتراوح بين 30 و50 دولاراً للبرميل، ولكن إذا واصلت المنظمة رفع الخام إلى مستويات 60 و80 و100 دولار للبرميل، فسوف تكثف الرابطة المناهضة جهودها لتسريع عملية تحويل المركبات إلى الكهرباء، وسوف يبقى بترولاً أكثر بكثير تحت الأرض.
وكلا الخيارين سوف يخفض الطلب على البترول بنسبة %50 أو أكثر بحلول منتصف القرن، وهى أحد أهداف اتفاقية باريس للمناخ، وسوف تسجل نهاية عصر البترول.
وبالتأكيد، سوف تقاوم «أوبك»، ونظرياً يمكنها زيادة وتيرة رفع أو خفض الإنتاج والأسعار، وربما بوتيرة أسرع من أن تمكن المستوردين من كهربة قطاع النقل، وفى الوقت نفسه، لدى الأعضاء فى «أوبك» دافع قوى لضخ بترول أكثر من حصتهم عندما تكون الأسعار مرتفعة، وعلى النقيض، لدى رابطة مشترى البترول دافع للقيام بالتزاماتها بأفضل ما يكون لإحلال الكهرباء محل البترول، وأن يكون لها اليد العليا فى سوق المركبات الكهربائية فى المستقبل.
وهذا يعنى أن «أوبك» سوف تدفع سعراً أعلى إذا استغلت سلطتها اليوم، فبمجرد أن يقرر خصومها التوسع فى سوق السيارات الكهربائية بسياسات تخفيزية، من غير المرجح أن يتراجع الإقبال على تملك السيارات الكهربائية حتى وإن خفضت «أوب» أسعار البترول على المدى البعيد.
ويبقى أن نرى إذا كان التعاون الجديد بين الصين والهند والمعلن عنه الشهر الجارى سوف يثمر عن رابطة مناهضة وليدة، وإذا حدث ذلك، فسوف تتغير قواعد اللعب الجغرافية السياسية والاقتصادية والمناخية، لذا يجب على الأسواق الانتباه للأمر.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج