الرئيس التركى رجب طيب أردوغان للأسف، رجل يفى بوعده، فهو وعد بتحكم أكبر فى السياسة النقدية، خلال حملته الانتخابية، ولكنه لم ينفق وقته فى تحقيق وعوده، بل تخلص من آخر بارقة أمل فى شبكة الأمان التركية، وقد جعل بلاده بأكملها غير قابلة للاستثمار.
فقد غادر نائب رئيس الوزراء محمد سيمسك، ووزير المالية ناجى أغبال، مجلس الوزراء، رغم أنهما كانا من نوع المسئولين الذين يود المستثمرون العالميون رؤيته، خاصة أنهما ملتزمان بالإدارة المالية السليمة، والمبادئ الاقتصادية القياسية، كما أنهما فعلا الكثير لتهدئة قلق المستثمرين، بعد أن قام أردوغان بتشديد قبضته على البلاد، ولكن الآن يبدو أنه لم يعد هناك أحد للقيام بهذا الدور المتعلق بالمستثمرين.
وقال ماركوس آشوورث، الكاتب لدى وكالة أنباء بلومبرج، إنَّ الرئيس التركى اختار زوج ابنته بيرات البيرق لتعيينه فى منصب وزير المالية والخزانة، ما يساعد بدوره على تحطيم أى أمل فى أن يسود الشعور بالمسئولية، فيما يخص الأمور المالية، هذا فضلاً عن أن «أردوغان» منح نفسه القدرة على اختيار وتعيين محافظ البنك المركزى، وبالتالى القدرة على ترسيخ نظرته غير التقليدية إلى أن المعدلات اﻷعلى للفائدة قد تسبب تضخماً أسرع.
ربما يكون رد فعل السوق، الثلاثاء الماضى، هو مجرد البداية فقط، فقد انخفضت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار اﻷمريكى، بينما ارتفعت عوائد السندات لأجل 10 سنوات إلى أكثر من %17، واتسعت مقايضات الائتمانات فى حالات التخلف عن السداد، وتراجعت الأسهم، مع انخفاض بنسبة %3.7 فى الصناعة المصرفية، ما أدى إلى الانخفاضات.
وفى ظل ذلك، يصعب رؤية عدم اتخاذ وكالات التصنيف الائتمانى وجهة نظر قاتمة للواقع السياسى الجديد، وخفض تقييمات تركيا بشكل أعمق إلى مستوى غير مرغوب.
وبالنسبة للمستثمرين، من المؤكد أن أفضل مسار هو الابتعاد، وتبدو الأحداث العادية التى يمكن للمستثمرين أن ينظروا إليها من أجل الشعور بالطمأنينة ميئوساً منها.
بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يتضمن أى إعلان للموازنة فتح وزير المالية الجديد الصنابير المالية؛ من أجل تعزيز الإنفاق فى المناطق ذات الحساسية للانتخابات، مثل المدن الكبرى؛ حيث يحظى حزب العدالة والتنمية الحاكم بتأييد أقل.
ويعد الاجتماع المقبل للبنك المركزى التركى، المقرر انعقاده فى 24 يوليو الجارى، فرصة لترويض مكاسب الأسعار من خلال رفع أسعار الفائدة، ولكن من الصعب رؤية موافقة أردوغان على أى زيادة، كما أنه لا يمكن استبعاد المطالبة بالتخفيض.
وتجدر الإشارة إلى أن معدلات التضخم ارتفعت إلى %15.4 فى يونيو الماضى، وفى ظل ذلك يبدو أن كلاً من السياسات الحكومية وضعف قيمة العملة مستعدان لدفع هذا الارتفاع.
ويمكن للرئيس التركى اتخاذ القرار بتغيير الأمور، فقد سمح بزيادة أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس، منذ أواخر أبريل الماضى، ما يشير إلى أنه ليس محصناً ضد آثار الليرة المتراجعة عند ترك عجز الحساب الجارى الهائل فى تركيا الذى يعتمد اعتماداً كبيراً على التمويل بالدولار، ولكن بالنظر إلى وجهات نظره السخيفة بشأن السياسة النقدية وإظهاره لمعتقداته الحقيقة، يبدو هذا اﻷمر غير محتمل.
ويعد النظام المصرفى الحلقة الأضعف، فقد كان المقرضون يستغلون التمويل قصير الأجل الرخيص المقوم بالدولار واليورو، فمعظم الدائنين يتمثلون فى البنوك الأوروبية الغربية، وأى دليل على تراجعهم بشكل جدى سوف يثير تساؤلات حول استقرار المؤسسات المالية التركية، وبالتالى فمن المؤكد أن مثل هذا التحول فى الشعور سوف يؤثر على المقترضين من الشركات التركية الكبرى، والتى لدى العديد منها عمليات استرداد كبيرة مستحقة، معظمها بالدولار، خلال العام المقبل أو نحو ذلك.
ويقول الكاتب، إنه يمكن استنتاج أن مصير تركيا بالكامل يقع بين يدى أردوغان، وهذا ما يثير قلق المستثمرين.