مصطفى موسى يكتب : حماية مساهمى الأقلية ووجوب تمثيلهم فى تشكيل مجلس الإدارة


صدر قرار هيئة الرقابة المالية الأخير رقم 92 لسنة 2018 متضمناً إضافة شرطين جديدين للشروط العامة للشركات الراغبة فى القيد لأول مرة فى البورصة المصرية يجب أن يتضمنهما النظام الأساسى للشركة الراغبة وهى:

1.آلية التصويت التراكمى، 2. التمثيل النسبى لرأس المال فى عضوية مجلس الإدارة، ثم صدر أيضاً عن الهيئة العامة للرقابة المالية بعد ذلك الكتاب الدورى رقم 7 لسنة 2018 لإيضاح وتفسير قرارها رقم 92 المشار إليه وتأطير أحكامه، وبالفعل تم تعريف التأكيد على مفهوم كلاً من التصويت التراكمى cumulative voting والتمثيل النسبى proportional representation وأيضاً إشارة فى ديباجة هذا القرار للسياق الذى جاء به وأهدافه.
إلا أن الكتاب الدورى قد أتى فى ثناياه بحكمين فى منتهى الأهمية الأول أن نطاق تطبيق القرار رقم 92 بعد أن كان مقتصراً على الشركات الجديدة الراغبة فى القيد لأول مرة أصبح مُخاطباً به الآن جميع الشركات القائمة وعليها القيام بتوفيق أوضاعها خلال سنة على الأكثر، وثانيهما أن الكتاب الدورى ضم إليه أيضاً جميع الشركات العاملة فى مجالات الأنشطة المالية غير المصرفية حتى ولو لم تكن مقيدة بالبورصة.
وسنتناول بشكل موجز بعض التساؤلات التى قد يثيرها هذا القرار بشأن مسألة التمثيل النسبى _وفقا لتعريفها الوارد بالقرار باعتبارها من وجهة نظرنا مسألة تحيط بها نقاط خلافية ومزيد من الإيضاحات، أما مسألة التصويت التراكمى فستكون محل تناول مقال آخر أكثر تفصيلاً بشأنها كونها بالفعل قرار مهم وجيد وممارسة وتحديث مُنادى به من قبل وحسناً فعلت الهيئة إذ هى ألزمت به الشركات الخاضعة لولايتها.
بداية وكخلفية تاريخية سريعة يجب أن نعود إلى ما قبل عام 2005 حينما كان قانون الشركات المساهمة يُلزم الشخص الراغب فى شغل عضوية أى مجلس إدارة أن يكون مالكاً لعدد معين من أسهم الشركة التى سيشغل مجلس إدارتها، والتى كان يُطلق عليها آنذاك أسهم “ضمان العضوية” ومع بزوغ وبداية صك مفاهيم الحوكمة فى السوق المصرى كانت هناك منادة ومطالبات بإلغاء مثل هذا الشرط لأسباب كثيرة يأتى فى مقدمتها عدم منطقية الربط بين عضوية مجلس الإدارة وتملك جزء من أسهم الشركة والذى كان فى العادة عبارة عن تملك وشراء رمزى فى حده الأدنى وأصبح مجرد استيفاء شكلى ليس أكثر، ثم وبمنتصف العام 2005 صدر تعديل بقانون الشركات المساهمة وألغى نص المادة 91 التى كانت تقضى بوجوب تقديم أسهم ضمان العضوية كشرط لشغل عضوية المجلس.
إذن المُعطى من تلك الخلفية أنه وبما يقارب العشرون عاماً فقد تجاوز العالم والمشرع المصرى فكرة وجوب الربط بين ملكية الأسهم وعضوية مجلس الإدارة، ولتبدأ بعد ذلك نمو وبلورة وترسيخ مفاهيم الحوكمة وإعلاء مبدأها الأهم وهو “فصل الملكية عن الإدارة” فعضو مجلس الإدارة هو بحكم التعريف شخص مؤهل للمشاركة فى إدارة الشركة نيابة عن مجموع المساهمين وليس عن فئة معينة.
ثانياً. جاء فى ديباجة الكتاب الدورى أنه قد صدر فى ضوء حرص الهيئة على حماية صغار المساهمين، وقطعاً لا مجال للقول بغير ذلك، خاصة أن الهيئة أصبحت وبحق تُولى اهتماماً غير مسبوق بحماية السوق ككل وبصغار المساهمين على وجه الخصوص من خلال ما تسحدثه طوال الوقت من تدابير رقابية وإجرائية تكفل بها رعاية وصيانة حقوق الأقلية من صغار المساهمين والسوق بوجه عام.
لكن لنقرأ مرة أخرى النص الخاص بالتمثيل النسبى الوارد بالكتاب الدورى للوقوف على أحكامه والذى نص على “يُقصد بالتمثيل النسبى لرأس المال فى مجلس إدارة الشركات المقيد لها أوراق مالية بالبورصة المصرية أو الشركات العاملة فى الأنشطة المالية غير المصرفية، أنه ضمان تمثيل حد أدنى من نسبة رأس المال فى عضوية مجلس الإدارة بما لا يجاوز مقعداً بمجلس الإدارة لكل (10%) من أسهم الشركة، على ألا يخل ذلك بحق المساهمين فى الترشح لعضوية مجلس الإدارة”.
– هنا نختلف مع هذا القرار فى اختزال صياغته لمفهوم التمثيل النسبى بأنه ضرورة تمثيل فئة من المساهمين المالكين لنسبة معينة من أسهم رأس المال بأن يكون لهم مقعد أو أكثر فى مجلس الإدارة وذلك لسببين:
الأول: أن التصويت التراكمى كآلية هو فى حد ذاته وبحكم تعريفه يُعزز ويبرز القدرة التصويتية لمساهمى الأقلية من صغار المساهمين ومن ثم أصبحت مقولة أن أصوات مساهمى الأقلية هى أصوات غير منتجة لأى أثر هى مقولة غير صحيحة، فبإمكانهم الآن التعبير والتمثيل بشكل أكثر فاعلية عن قناعاتهم فى اختيار ممثلهم والذى قد يكون من بين المساهمين أو من خارجهم. إذن لنتفق على أن الهدف هو فاعلية التصويت مهما انخفضت نسبة المساهمة على النحو الذى يعبر عن التمثيل الحقيقى والعادل وليس الصورى لقرار الجمعية العمومية إذ التمثيل العادل هو تمثيل الصوت والسهم وليس تمثيل الأشخاص.
الثانى: أن ما جاء كتعريف بالقرار هو فى حقيقته تقنين لمفهوم “الكوته الانتخابية quota “، والتى تعنى تخصيص حصة معينة لأقلية أو فئة ما فى مجلس انتخابى معين تماماً كتخصيص نسبة معينة أو رقم مقطوع من المقاعد على سبيل المثال للنساء أو التابعين لأحد الأقاليم فى أحد المجالس النيابية من إجمالى عدد المقاعد كنوع من تمكينهم وتمثيلهم فى هذا المجلس، ويعتبر هذا التخصيص وإن كان فى حقيقة الأمر له هدف نبيل وهو التمكين والفاعلية لفئة قد لايكون لديها ذات وثقل أدوات المنافسة إلا أنه يُسمى أيضاً ” تمييزاً إيجابياً” والتمييز فى صورتيه الإيجابيه والسلبية هو أمر قد تجاوزته غالبية الممارسات الانتخابية لأنه أثبت بالتجربة أنه ضار بجوهر الممارسة ويُصيب الفئة المُميز لصالحها بنوع من التكلس وفقدان الهمة ذلك لأن ممثل تلك الفئة يضمن مقعده من خارج إطار المنافسة مقارنة بآخرين أكثر تأهيلاً.
– أتى النص المُشار إليه بوجوب تخصيص مقعد لكل 10% من أسهم الشركة وهنا يُثار أكثر من تساؤل لم ترد بشأنهم إجابة قاطعة
هل نسبة الـ10% يجب أن يتملكها شخص واحد أم مجموعات متفرقة من المساهمين غير مرتبطة؟ صياغة النص على النحو الواردة به تحتمل أحقية الفرضيـتـين، لكن لا ينبغى أن ننسى أن المساهم الفرد أو المجموعة المرتبطة المالكة لنسبة 10% هى بحكم التعريف القانونى هى مساهم رئيسى ومن ثم فهى ليست من فئة صغار المساهمين ومن ثم فهى لم تعد مخاطبة أو صاحبة حق فى تمثيلها بمقعد فى مجلس الإدارة.
من ناحية أخرى إذا كانت هناك مجموعات متفرقة من المساهمين وأبرمت فيما بينها اتفاق لتمثيل أحدهم للمطالبة بمقعد عن نسبة الـ10% ففى تلك الحالة أيضاً أصبح بحكم تعريف “المجموعة المرتبطة” هناك اتفاق تصويتى وأصبحت تلك المجموعة المتفرقة غير المرتبطة فى الأساس قد تحولت إلى مجموعة مرتبطة ومن ثم لم تعد من فئة صغار المساهمين ويسرى عليها ما ذكرناه فى الفقرة السابقة.
الفرضية الأخيرة أن هناك مجموعات متفرقة من المساهمين وغير مرتبطين_ومن باب الفرض الجدلى_ لم يُبرموا بينهم اتفاق تصويتى واختاروا بالفعل ممثلاً عنهم لشغل مقعد بمجلس الإدارة هل فى تلك الحالة يتوجب على هؤلاء المساهمين أن يظلوا محتفظين بملكية نسبة الـ10% طوال دورة المجلس؟
إذا كانت الإجابة “بـلا” ففى تلك الحالة سيفتح باب على مصرعيه لعمليات اتفاقيات وترتيبات تصويت صورية غرضها فقط إزاحة شخص مــا أو ضم آخر. وإذا كانت الإجابة “بــنعم” فلقد أصبح هناك من الناحية العملية حظر على تداول وبيع أسهم هؤلاء الأقلية مقابل احتفاظهم بالمقعد وهو أمر أشد وطئة وإجحافاً وإضراراً بهم من الناحية العملية خاصة صغار المساهمين قصيرى الأجل.
إذن خلو النص من الإجابة القطعية على تلك التساؤلات وتركه لما ستسفر عنه التأويلات والتفسيرات فى رأينا أنه سيفتح الباب لإشكاليات كثيرة الكل فى غنى عنها.
– أخيراً مازال التساؤل محيراً كيف بعد أن قطعت المشرع المصرى والجهات الرقابية المختصة شوطاً طويلاً فى إرساء أهم مبادئ الحوكمة وهو “فصل الملكية عن الإدارة ” ومناداة الشركات الكبير منها والمتوسط بأهمية وجدوى هذا المبدئ وأن الإدارة يجب أن تُحيد ولا ترتبط بالملكية كيف إذن ولماذا يكون هذا الإرتداد لما سبق وأن تجاوزناه؟
إذا كان الهدف وراء هذا القرار والقاسم المشترك بين جميع الأطراف هو تعزيز ضمانات حماية الأقلية من صغار المساهمين فحقيقة الأمر فإن التصويت التراكمى يوفر لهم تلك الضمانة ويعكس بنسبة كبيرة قدراتهم التصويتهم وأن أسهمهم مهما انخفضت نسبتها ستصبح ذات جدوى وليست بأى حال تحصيل حاصل، أيضا من الممارسات التى تحمى صغار المساهمين هو ما سبق وأن ألزمت به الهيئة الشركات من ضرورة تعيين عضويين مستقليين وفقاً لتعريف صارم ومنضبط الأمر الذى يحقق ضمانة أخرى لمساهمى الأقلية هذا بخلاف العديد والعديد من الممارسات والتدابير الاحترازية التى تقوم بها الهيئة فى إطار عملها الرقابى لتعزيز وصقل ثقافة الافصاح والشفافية وتمكين وطمانة جميع أطراف السوق من الهيئة دوما حريصة إعلاء القانون وتطويره فى ذات الوقت .
أفكار وتساؤلات أثارها هذا القرار والذى نأمل أن يفتح نافذة لحوار يقوم على خدمة وتعزيز وتطوير دائم للإطار الناظم للسوق وأطرافه.

مصطفى موسى

محامى متخصص في أسواق المال والشركات

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية

نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2018/07/16/1116423