بقلم: ويجيان شان، الرئيس التنفيذى لمجموعة «بى.أيه.جى»
تعد الحروب التجارية، كتلك التى شنها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ضد الصين أمراً سيئاً بالنسبة لجميع الأطراف المتنازعة، فالمستهلكون هم من سيدفعون سعراً أعلى لكل ما يشترونه فى نهاية المطاف.
ومن المستبعد أن يؤدى حظر الاستيراد لإعادة الإنتاج إلى وطنه اﻷم، فقد تقوم شركة «أبل» اﻷمريكية لصناعة الإلكترونيات بنقل مجموعة أجهزة «أيفون» الخاصة بها من الصين إلى تايلاند بدلاً من الولايات المتحدة، كما أنه إذا حظرت الولايات المتحدة استيراد جميع أجهزة «أيفون» المصنوعة فى الخارج، فإن المستهلكين الأمريكيين سيعانون من الارتفاع الحاد فى اﻷسعار.
وبالتأكيد، تعد الولايات المتحدة اقتصاد أكثر انفتاحاً مقارنة باقتصاد الصين، ولكن القضية الحقيقية الكامنة خلف النزاع المتبادل بين واشنطن وبكين تدور حول ما إذا كانت الصين ارتقت إلى مستوى الوفاء بالتزاماتها لمنظمة التجارة العالمية، وإذا كان الأمر كذلك فإن التمييز بين الاقتصاديين ليس عذراً للعمل الانفرادى، وإذا لم يحدث ذلك، فإن منظمة التجارة العالمية تمتلك آلية للتعامل مع الانتهاكات التى تقوم بها الدول، بما فى ذلك الولايات المتحدة، بشكل فعال.
وكأى جهاز إدارى، لا تعد منظمة التجارة العالمية فعالة بشكل خاص، ولكنها ليست متحيزة أيضاً، وبالإضافة إلى ذلك ليس هناك نظاماً أكثر عدلاً أو أكثر فعالية لحل النزاعات التجارية فى عالم متكامل.
ومن الصحيح أن الصناعات اﻷمريكية وجدت صعوبة فى التنافس مع الواردات، مما أدى إلى إغلاق المصانع وفقدان الوظائف، ولكن هذا اﻷمر كان مستمراً منذ فترة طويلة قبل أن تصبح الصين أكبر شريكاً تجارياً للولايات المتحدة.
وتتسم الولايات المتحدة بالمرونة على وجه التحديد نظراً لمرونة قوتها العاملة وقدرتها على التكيف، مما ساعد على المدى الطويل على تمكين الولايات المتحدة من الارتقاء لتصبح القوة التكنولوجية المهيمنة فى العالم.
وفيما يخص الصين، فهى تحقق فائضاً تجارياً كبيراً مقارنة بالولايات المتحدة رغم أن ثلث صادراتها إلى الولايات المتحدة أجنبية المنشأ، كما تحقق الولايات المتحدة فائضاً فى الخدمات مع الصين يتراوح بين 40 ملياراً و50 مليار دولار تقريباً.
وظلت الصين لسنوات أكبر مشترى لسندات الخزانة الأمريكية، فهى تمتلك أكثر من تريليون دولار، مما سمح للحكومة الأمريكية والمستهلكين بالعيش خارج نطاق إمكانياتهم، فالصين تبيع بضائع حقيقية إلى أمريكا وتشترى الأوراق الأمريكية فى المقابل، أليست هذه الصفقة جيدة ؟
سيكون لدى الصين عتبة ألم أعلى من الولايات المتحدة فى الحرب التجارية، على المستوى الاقتصادى والسياسى على حد سواء، ولكن الصين تدرك، مثل الشركاء التجاريين الآخرين للولايات المتحدة، أن الألم سيكون أسوأ إذا استسلمت ببساطة، لذلك تتمتع بكين بقدرة أكبر على السيطرة على اقتصادها، كما أنها أكثر قدرة على التكيف مع اضطرابات الاقتصاد الكلى مقارنة بقدرة واشنطن.
وأثبتت الصين أنها مستعدة لتحمل الآلام الاقتصادية الذاتية إذا ثبت أن النتائج طويلة الأجل مفيدة، ففى السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، خفضت الإنتاج فى صناعات مثل الصلب والألومونيوم والفحم، كما أنها أغلقت الشركات التى تتسبب فى حدوث تلوث على نطاق واسع.
ويعتقد بعض المراقبين أن الصين تعتمد إلى حد كبير على الرقائق الإلكترونية الأمريكية لدرجة أنها لن تتمكن من التصدى بفعالية لإجراءات ترامب، ولكن فى الواقع الاعتماد متبادل بين البلدين، فعلى سبيل المثال تستحوذ الصين على أكثر من 65% من مبيعات «كوالكوم» و50% من «ميكرون» و50% من «برودكوم» و23% من «إنتل»، وهو ما يعادل 50 مليار دولار فقط لهذه الشركات الأربع.
وتقدر قيمة مبيعات شركة «أبل» فى الصين بقيمة 45 مليار دولار، أى حوالى 20% من إجمالى المبيعات، بينما تنتج الصين 60% من المعادن الأرضية النادرة فى العالم، والتى تعرف بكونها مواد حيوية للأجهزة الإلكترونية، وبالتالى فإن أى خلل بهذه التجارة سيكون مدمراً بالنسبة لكل من الصين والولايات المتحدة، وأيضاً لبقية العالم.
وسوف تتحمل قاعدة ترامب السياسية وطأة المعركة التجارية، ومن ناحية أخرى قد تخاطر بكين برد فعل عنيف إذا خضعت للضغوط الأمريكية، وهو أمر مؤلم كالمعركة، ولكن من المرجح أن تخرج منه الصين بشكل أفضل، على المستوى الاقتصادى والسياسى على حد سواء، أكثر من الولايات المتحدة.
ورغم أن التوقعات تبدو قاتمة، لايزال هناك مجال يتيح للبلدين إيجاد حل يرضى كلا الطرفين ويفتح الأبواب على نطاق أوسع لاقتصادات كل منها، فإذا لم يستطعا القيام بذلك، فكلاهما سيخسر وسيسحبان بقية العالم معهم.
كتبت: منى عوض
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»