بقلم/ كريستوفر بالدينج، أستاذ زميل في جامعة الأعمال والاقتصادي التابعة لبنك “اتش اس بي سى” في مدينة شينزن الصينية.
ستسعى باكستان على الأرجح لتأمين حزمة إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولى، وهي الحزمة رقم 12 منذ الثمانينيات، والأكبر حتى الآن.
وهذه المرة، يتعين على صندوق النقد التفكير مرتين، فأزمة الديون في باكستان ليست ناتجة عن صدمة اقتصادية، وإنما نتيجة الاقتراض المتهور من الصين، وأى حزمة مساعدات جديدة لن تفعل سوى مفاقمة مخاطر ظهور مشكلات مشابهة فى أماكن أخرى.
وبموجب مبادرة الحزام والطريق، تغدق الصين بالقروض السخية لدعم مشروعات البنية التحتية بالخارج، والمأخذ هنا أن هذه الصفقات يشترط فيها إنفاق هذه الأموال على البضائع والخدمات والعمالة الصينية، وشروط السداد تكن عادة غامضة وفي بعض الأحيان مرهقة.
وتعد باكستان نموذجاً لكيف يمكن أن تسوء الأمور.
وتستثمر الصين حوالي 62 مليار دولار عبر مجموعة من المشروعات هناك، بما في ذلك الطرق والموانئ، ومحطات الطاقة، وأماكن انتظار السيارت، ويبدو الأمر رائعًا حتى تنظر إلى التفاصيل.
وأحد عقود الامتياز الباكستانية يعطي للصينيين عائدات سنوية من محطات الطاقة تصل إلى 34% لمدة 30 عاما، وعلى النقيض تراوح العائد على سندات الخزانة الباكستانية لأجل 10 سنوات بين 8% و9% العام الماضي.
والأسوأ من ذلك أن الصين تقرض بالدولار الأمريكى، لذلك ينبغي أن تدير باكستان فائضا كبيرا للغاية لكي تتمكن من سداد ديونها، وبالنظر إلى أنها لم تكن قادرة على التصدير بما يكفي لتوليد فائض تجاري، فقد استنفزت سريعا احتياطياتها الأجنبية، مما دفعها إلى أحضان صندوق النقد الدولي مجددا.
ووقعت دولة أخرى مستقبلة للسخاء الصيني تحت كارثة مشابهة، إذ ضمنت فنزويلا قروضها الصينية بالبترول، ثم وجدت أنها لا تستطيع بيع خام إضافي كافي في الأسواق العالمية لتوليد العملة الصعبة اللازمة لتوسيع الإنتاج.
أما سيريلانكا، فبعد أن أصبحت غير قادرة على سداد القروض، أخذت الصين حقوق انتفاع لمدة 99 عاماً لأحد موانيها، وتعيد ماليزيا وميانمار ونيبال النظر في الاستثمارات الصينية الكبيرة، ولا عجب في ذلك.
وتكمن خطورة مشروعات الحزام والطريق، في أن المقصد منها سياسي وليس اقتصادياً، ويعد البرنامج – المنصوص عليه في دستور الحزب الشيوعي في 2017 – حجر الزاوية في خطط الصين لتوسيع نفوذها وقوتها الناعمة عالميا، ومعظم قروض مبادرة الحزام والطريق تتم عبر البنوك الحكومية التي تهتم أكثر بتحقيق أهداف السياسة الخارجية – مثل كسب حلفاء جدد – من تحقيق ربح.
وأحد نتائج ذلك، هو أنه يتم تمديد القروض بغض النظر عن الإمكانية المالية أو معايير الإقراض العالمية، وهو ما يفسر لماذا انتهت كثيراً من مشروعات الحزام والطريق المبكرة بسبب الأزمات المالية، وفي الوقت الذي توسع فيه الصين مشروعاتها حول العالم، ستنهار مشروعات أخرى بالتأكيد، ويخطر على بالي خط السكة الحديدية السريع في لاوس.
ويتعين على صندوق النقد الدولي الانتباه إلى هذه الآلية، ورغم أنه أطلق تحذيرات بشأن عبء الديون الصيني المتوسع، فإنه أيضا استسلم مرارًا للمطالب الصينية.
فعلى سبيل المثال، سمح لليوان بأن يصبح عملة احتياطياً في 2015، رغم أنه انتهك كل معايير العملة الاحتياطية، وإذا فشل صندوق النقد أن يأخذ موقفاً بشأن باكستان، فسيشجع على المخاطر الأخلاقية عبر دول الحزام والطريق.
ويتعين على صندوق النقد عند دراسة حزمة المساعدات أن يستثنى أى سداد للديون الصينية أو يطالب بشطب استثنائي لها، ويجب أن يوضح أنه يفرق بين المشروعات التجارية التي تخفق، وبين مشروعات السياسة الخارجية التي تبدو بشكل سيء كفخ ديون، وإذا أراد قادة الصين أن ينفقوا بسخاء على مشروعات غريبة بالخارج، فهذا شأنهم الخاص، ولا ينبغى على صندوق النقد الدولى التنظيف عندما تسوء الأمور.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.