لست هنا بصدد الخوض فى مناقشة جوازية تطبيق قوانين أقرتها مؤسسات الدولة بما يتفق مع أحكام القانون والدستور.
وأيضا لست مع تدخل الفتاوى الدينية فى أمر من أمور السياسة الضريبية للدولة سواء بالتحريم أو الفرض فالسياسة الضريبية جزء لا يتجزأ من السياسة المالية وكل منهما جزء من النظام الاقتصادى الأشمل للدولة حيث يتوجب أن تديره السلطة المختصة منفردة بمنأى عن أى مؤثرات خارجية أخرى قد تتسبب فى تشتته أو فشله.
إلا أن الخوض فى نقاش فلسفة تطبيق الضريبة العقارية فى مصر بصورة عامة وشاملة من وجهة نظر متخصصة وبناء على خبرات مكتسبة من الممكن أن يؤدى إلى استنباط أفكار جديدة لم تكن مطروحة مسبقا قد تتبنها السلطة فى المستقبل لتغير بعض السياسات أو تخفيف حدتها.
الضريبة العقارية مطبقة بصورة كبيرة فى عدد كبير من دول العالم المتقدم وهى تعد أحد الركائز والمصادر المالية الأساسية لرفع مستوى الرفاة الاجتماعى فى تلك المجتمعات، إلا أن تلك المجتمعات تتميز بسلطات رقابية حاسمة وشديدة على سوق العقار، فهى تتدخل فى كل كبيرة وصغيرة وتستطيع فرض سلطتها سواء فيما يتعلق بمستوى الأسعار أو جودة الخدمات التى يقدمها المطورون العقاريون، هذه الرقابة تضمن عدم تحرك الأسعار بصورة فجائية صعودا وهبوطاً بل أن تلك الرقابة تمتد لسنوات كبيرة يمكن من خلالها تقييم قيمة العقار بصورة عادلة، ونظراً لأن الضريبة العقارية فى فحواها تعتمد بصفة أساسية على القيمة التقديرية للعقار فوجب على الدولة أن تبدأ من هذا المنطلق، فتحديد القيمة العادلة للعقار يشعر المواطنين بنوع من العدالة فى تطبيق الضريبة بصفة عامة.
معظم قوانين الضرائب العقارية التى تم تطبيقها فى الخارج صممت أخذا بقواعد مهمة من ضمنها قاعدة اليقين وهى ببساطة ألا يكون هناك غموض فى طرق احتساب الضريبة أو بمعنى آخر ألا تكون مبنية على التخمين بصورة كاملة فتحديد أسعار العقارات فى السوق العقارى المصرى فى ظل غياب الرقابة كما أشارنا سابقا قد يؤدى إلى أخذ الضريبة العقارية منحنى الصعود الدائم بما يثقل كاهل المواطنين بأعباء عن دخول لم تتحقق بالفعل.
القاعدة الأخرى هى قاعدة الملاءمة فى الدفع والتى ترتبط بحال المكلف بالضريبة وقت السداد فالقانون تغاضى عن الحالة الاجتماعية والمركز المالى ومستوى التقدم فى السن وحتى حجم الإعاقة الشخصية فكل هذه العوامل تسهم بصورة كبيرة فى قدرة المواطن على تسديد الضريبة، فلنا مثال فى اثنين من المسنين يعيشون داخل عقار منذ سنوات وليس لديهم إلا دخل واحد لا يزداد إلا بالكاد ونظرًا لحالة المضاربات العقارية التى تتم بمعزل عن رقابة الدولة فقد يرتفع ثمن العقار المملوك لهم بعد عناء وينتهى الأمر بعدم القدرة على السداد.
فى الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال فإن أصحاب الدخول من كبار السن وأصحاب الاحتياجات الخاصة والذى لا يزيد دخلهم على 40 ألف دولار فى العام فهم معفيون بحكم القانون من سداد قيمة الضريبة العقارية المقدرة بـ 1.3 فى المائة من قيمة تقييم العقار والتى فى الغالب تكون أقل من القيمة الدفترية للعقار، أما أصحاب الدخول من 40 ألف دولار إلى 55 ألف دولار سنويا فهم مكلفون بسداد 50 فى المائة فقط من الضريبة العقارية وأصحاب الدخول من 55 ألفاً إلى 72 ألف دولار فهم مكلفون بدفع 25 فى المائة من الضريبة وكل من يزيد دخله فوق الـ 72 ألف دولار سنوى فهو مكلف بسداد الضريبة كاملة.
بجانب فرض الضريبة العقارية يجب على الدولة أن تهتم بعاملين أولهم هو أسلوب سداد الضريبة العقارية فاقترح أن تقسم على أقساط نصف سنوية على سبيل المثال وثانيها إعداد برامج ضمان اجتماعى لحماية المكلفين بسداد الضريبة العقارية من العاطلين عن العمل وذوى الدخول المنخفضة أيضا يجب أن تنظر الدولة مجددا فى فلسفة فرض الضريبة على المسكن الخاص أخذاً بظروف الحالة المصرية لأن الزيادات فى قيمة العقار فى السوق المصرى أصبحت ناتجة عن أسباب لا تتعلق بارتفاع مستوى الرفاهية الناتج عن زيادة الانفاق الحكومى على خدمات بعينها ولكنه فى الغالب ناتج عن زيادة انفاق أصحاب العقارات للحصول على خدمات أعلى وبالتالى فهى مدفوعة بالأساس والغالبية العظمى منها بأقساط على مدى سنوات ممتدة. اتمنى أن يصل هذا المقال الى مسامع السيد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء فإن تطبيق ما جاء به من مقترحات قد يسهم فى حفظ السلم المجتمعى الذى قد يغيب عن ذهن بعض المشرعين أثناء تشريعهم لنصوص القوانين.
أشرف عبدالعال
خبير اقتصادى