3.6 مليار دولار قروضاً يقدمها بنك الصناعة والتجارة الصينى بعد تهديدات “ترامب”
أثبت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مراراً وتكراراً، استعداده للتراجع فى الخلافات الدبلوماسية عندما تطلبت اﻷوضاع ذلك.
ومع تصاعد الخلافات الناشبة مع الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب في الأسابيع الأخيرة، مما تسبب في دمار لليرة التركية، كان العديد من المحللين مقتنعين أن الضرورة الاقتصادية ستجبر أردوغان على التراجع مرة أخرى، لكن تحديه المستمر أدى إلى تزايد القلق من أن هذه المرة قد تكون مختلفة.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن أردوغان ظل كما هو غير مبدى أى ندم حتى بعد المرور بأسبوع مؤلم خسرت خلاله العملة التركية خُمس قيمتها مقابل الدولار، مما أدى إلى تزايد الضغوط على الشركات والبنوك التركية.
واستشهد أردوغان بكلمات الشاعر التركي ناظم حكمت فى اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا في إقليم طرابزون، الذى عقد الأحد الماضى، قائلاً: “هذا البلد بلدنا” ، كما أنه تعهد بعدم انحناء اﻷمة أمام أى خصم أجنبى.
ويرى بعض المراقبين، أنه يتعين على تركيا جذب أكثر من 200 مليار دولار سنوياً من التمويل الأجنبي للحفاظ على اقتصادها، وبالتالى لن يكون أمام أردوغان أى خيار سوى الاستسلام فى نهاية المطاف والرضوخ أمام مطالب ترامب بالإفراج عن القس الأمريكى أندرو برانسون المسجون فى تركيا، وإعلان مجموعة من التدابير التى تستهدف طمأنة المستثمرين.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن أردوغان قد يحاول اللجوء إلى روسيا أو قطر أو الصين للحصول على الدعم، مما يؤدى إلى تقويض العلاقات الضعيفة بالفعل بين عضو منظمة حلف شمال الأطلسى ذى الأهمية الاستراتيجية، وبين الغرب.
وحذر أردوغان، واشنطن، فى مقال كتبه لصالح صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الجمعة الماضية، من أنه يجب عليها التوقف عن رؤية تركيا كشريك أقل أهمية أو ستواجه حقيقة أن تركيا أمامها بدائل، في حين قال يوم اﻷحد الماضى: “ردنا على الشخص الذي يشن حرباً تجارية ضد العالم بأكمله، بما في ذلك بلادنا، هو التوجه نحو أسواق وتعاونات وتحالفات جديدة”.
وقال أتيلا يسيلادا، الاستشارى لدى شركة “جولد سورس بارتنرز” فى أسطنبول، إن عبارات أردوغان الجريئة ترجح أنه يستكشف الخيارات الأخرى، مضيفاً: “أعتقد أن أردوغان تحدث إلى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الذى ربما وعده ببعض القروض، هذه هي توقعاتى.. إنه غاضب، ولكنه ليس مجنون، لذلك أفترض أن لديه توقعات معقولة للحصول على بعض النقود من مكان ما”.
وتصاعدت التوترات بين تركيا والغرب فى السنوات الأخيرة، حيث واجه أردوغان، الذى تولى حزبه الحكم فى عام 2002، اتهامات بزيادة النزعات الاستبدادية، ولكن عندما اندلعت الخلافات مع دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة اتجهت تركيا نحو تحقيق تعاون أوثق مع روسيا.
وتوددت تركيا أيضاً للصين من أجل الحصول على دعمها، إذ أعلن وزير المالية التركى بيرات البيرق تقديم البنك الصناعى والتجارى الصينى حزمة قروض بقيمة 3.6 مليار دولار لقطاعى الطاقة والنقل، وذلك بعد مرور ساعات فقط من إعلان الرئيس اﻷمريكى تهديدات بعقوبات كبيرة في يوليو الماضى.
وكانت قطر تشكل خياراً آخر متاح أمام تركيا، التى أصبحت بدورها حليفا متزايد الأهمية لدى دولة الخليج الغنية، فهى تمتلك قاعدة عسكرية هناك، كما أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تعززت بعد أن فرضت المملكة العربية السعودية و3 دول عربية أخرى حظراً على قطر في العام الماضى.
وقال مكتب الاتصالات الحكومية في قطر، فى تصريحات تم الإدلاء بها بداية اﻷسبوع الحالى: “تركيا حليف وثيق وموثوق به، فنحن لدينا ثقة كاملة فى قوة الاقتصاد التركى وستستمر استثماراتنا فى تركيا بشكل طبيعى”، مشيراً إلى أن قطر لم تتلق بعد أى طلبات للمساعدة من الحكومة التركية في الوقت الراهن.
وقال مصرفى مقيم في الخليج، إنه من المرجح أن تكون قطر واحدة من أوائل الدول التى ستتطلع إليها تركيا للحصول على الدعم، ولكن الحظر الذى فرض على شبه الجزيرة ثقل كاهلها بالتحديات المالية.
وقالت الصحيفة البريطانية، إن الانحياز إلى جانب تركيا في نزاعها مع الولايات المتحدة قد يكون أمراً محرجاً بالنسبة لقطر، خاصة أنها تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، كما أنها تسعى إلى كسب دعم الولايات المتحدة في نزاعها الناشب مع دول الخليج.
كان تيم آش، المحلل لدى شركة “بلو باى” لإدارة الأصول العالمية، متشككا في أن تركيا قد تجد الدعم الذي تحتاج إليه من الدول غير الغربية، فقد قال إن روسيا لديها مشاكلها الخاصة التي تدور حول العقوبات الأمريكية، بينما ستكون الصين حذرة من إغضاب الولايات المتحدة، ولن تتمكن قطر من تقديم الدعم الكافي بمفردها.
وكان بهلول أوزكان، اﻷستاذ المشارك في العلاقات الدولية في جامعة مرمرة في أسطنبول، لديه الرأي ذاته، فقد قال: “إذا أنتهي التحالف الغربى، فلن نتمكن من الحصول على الكمية اللازمة من رأس المال من الصين أو روسيا أو الخليج”.
ويخشى بعض المراقبين من أنه حتى لو تراجع أردوغان، فإن الخلاف سيؤدي إلى إلحاق ضرر دائم بعلاقة الغرب مع دولة تقع في كل من أوروبا والشرق اﻷوسط، ولديها أكبر قاعدة جوية أمريكية، وتستضيف 3.5 مليون لاجئ سورى.