يحكى أن رئيس مصلحة الضرائب فى «عبث ستان» قد استيقظ من النوم مفعماً بالحيوية ومدفوعاً لتحقيق «التارجت» فى رفع الحصيلة الضريبية. فقرر أن يتحدث إلى إحدى وكالات الأخبار العالمية، وأصدر تصريحاً عبثياً مفاده أن المصلحة تقدمت بمقترح لتعديل المادة رقم 99 من قانون الدخل، بما يسمح لمأمور الضرائب بالاطلاع على الحسابات المصرفية للشركات والأفراد بعد موافقة وزير المالية بهدف الحد من التهرب الضريبى. يأتى هذ التصريح مجسداً تعامل المصلحة مع ممولى الضرائب على غرار المقولة الساخرة الشهيرة لرئيس أحد الأندية الرياضية «أقسم بالله هجيبك بلبوص«، أى لا مفر من التهرب الضريبى أينما كنتم، وأينما وجدت أمولكم. لم تمض سويعات قليلة إلا وكان محافظ البنك المركزى المصرى قد نفى إمكانية السماح بالكشف عن الحسابات المصرفية للشركات والأفراد، مؤكداً أن البنك المركزى لن يسمح بذلك، ومطالباً رئيس مصلحة الضرائب بالتريث فيما يقول والتحدث فى اختصاصاته.
إلى هنا يتضح جلياً عدم التنسيق بين الجهة المسئولة عن إدارة السياسة المالية للدولة، وهى وزارة المالية، وبين البنك المركزى المسئول عن إدارة السياسة النقدية.
وفى خطوة سريعة لتدارك الخطأ وحفظ ماء الوجه، أصدر وزير المالية ورئيس مصلحة الضرائب بيانات رسمية تلقى اللوم على الإعلام فى ما تم نشره على لسانه، وعلل أن تصريحاته قد تمت صياغتها على خلاف المقصود منها. غير أن أغلب الظن أن هذه التصريحات صحيحة تماماً، وليس هناك لبس بشأنها، ولكنه يندرج تحت وصف »تراجع تكتيكى« للخروج من الأزمة واللغط الكبير الذى سببه التصريح فى الأوساط المصرفية، ولدى المتعاملين مع البنوك. حتى إن تصريحات رئيس مصلحة الضرائب قد تزامنت – أو ربما تسببت – مع شائعات عن نية الحكومة فرض ضرائب على الودائع فى البنوك – والتى تبلغ أكثر من 3.5 تريليون جنيه – أو الفوائد المتحققة عبر الأوعية وشهادات الادخار فى الجهاز المصرفى. وهذا ما نفاه المركز الإعلامى لرئاسة مجلس الوزراء.
دعونا نناقش تداعيات السيناريو المفترض لاقتراح مصلحة الضرائب التى شرحناه هنا. نحن ندرك جميعاً أن مستوى الالتزام الضريبى والوعى بأهمية سداد الضرائب فى مصر ضعيف للغاية. معظم المكلفين بدفع الضرائب، والشركات على وجه الخصوص، يمارسون جميع الوسائل التى تمكنهم من تجنب أو تخفيض القيمة المسددة للضرائب. يتم ذلك من خلال تقديم البيانات المالية التى لا تعكس الوضع الحقيقى لنتائج الأعمال. وغالباً ما يسعون إلى المبالغة فى النفقات وتقليل قيمة الإيرادات لكى يبدو أن الشركة تحقق خسائر أو أن الإيرادات الخاضعة للضريبة فى أقل مستوى.
ومن ناحية أخرى، فإن مفتشى الضرائب يشكّكون بشكل روتينى فى نزاهة البيانات المالية إلى درجة أنهم يتجاهلونها فى كثير من الأحيان ويفرضون تقديرات جزافية على مبلغ الأرباح الخاضعة للضرائب، ومن ثم يلجأ الطرفان إلى نزاعات قانونية تكون غالباً لمصلحة الضرائب اليد الطولى.
نحن لا ننكر دور مصلحة الضرائب فى زيادة موارد الدولة من حصيلة الضرائب وتحسين كفاءة التحصيل الضريبى، غير أن ذلك الهدف لا ينبغى أن يكون بتوسيع رقعة عدم الثقة مع ممولى الضرائب، واستخدام أساليب لى الذراع بجميع أنواعها، واللجوء إلى الأساليب البوليسية، التى فى نهاية المطاف تعمق الفجوة بين ممولى الضرائب ومصلحة الضرائب، كما أنها تضرب جهود ضم الاقتصاد غير الرسمى إلى الاقتصاد الرسمى فى مقتل، وكذلك تقوض الشمول المالى.
وبالعودة مرة أخرى إلى التصريحات التى نفاها رئيس مصلحة الضرائب على النحو الذى أوردناه، أعزز موقف البنك المركزى المصرى فى التأكيد على سرية الحسابات المصرفية التى نظمها بشكل جيد قانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد.
وقد أشار القانون بكل وضوح فى المادة 97 و98 الخاصة بسرية الحسابات المصرفية إلى الأحوال والإجراءات التى يتم فيها رفع السرية عن الحسابات ومشاركتها مع الجهات التى يخولها القانون سلطة الاطلاع أو الحصول على الأوراق أو البيانات المحظور إفشاء سريتها. أما التعلل بأن هناك دولاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية لديها قانون يسمح لسلطات الضرائب الحصول على بيانات العملاء الأمريكيين من المؤسسات المالية، فهذا خلط كبير للأوراق.
»الفاتكا« هو قانون الامتثال الضريبى الأمريكى الذى أصدرته الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2010 بغرض ملاحقة الأشخاص الأمريكيين المكلفين بسداد الضرائب من التهرب من خلال استخدام حسابات تفتح فى مؤسسات مالية أجنبية خارج الولايات المتحدة، وينطبق القانون على الأصول المالية المحتفظ بها خارج الولايات المتحدة.
أى أن المؤسسات المالية داخل أمريكا لا تفصح عن بيانات العملاء إلى سلطات الضرائب الأمريكية، بينما البنوك والمؤسسات المالية غير الأمريكية تلتزم، وفقاً لمتطلبات قانون الفاتكا بأن تقدم سلطات الضرائب الأمريكية بيانات وافية عن جميع العملاء الذين ينطبق عليهم تعريف »الأشخاص الأمريكيين». يجب على الحكومة والمختصين فى مصلحة الضرائب النظر فى حلول جريئة يمكن من خلالها تحسين المنظومة الضريبية بعيداً عن المساس بسرية الحسابات المصرفية. وفيما يلى بعض الاقتراحات التى تمثل خطوطاً عريضة يمكن تطويرها بشكل أعمق: • سرعة الانتهاء من تعديل قوانين الضرائب لمعالجة التشوهات الضريبية والازدواج الضريبى وغيرها من أوجه العوار.
• التخلى عن المصالحات الضريبية أو السماح بها لمرة واحدة فقط للممول؛ حيث إنها الباب الخلفى للفساد.
• تغليظ العقوبات فى القانون على المتهربين من الضرائب بجميع أصنافهم، وإنفاذ القانون بكل حزم وبدون استثناءات.
• رفع كفاءة العاملين فى الضرائب من خلال التدريب المستمر وتقييم الأداء.
• رفع كفاءة العمل فى مصلحة الضرائب من خلال ميكنة العمليات والربط الإلكترونى واستخدام التقنيات الحديثة لتطوير أساليب العمل.
• القضاء على الفساد فى الجهاز الإدارى للحكومة، وتحديداً داخل الجهات المتصلة بالضرائب. وهنا أود الإشارة إلى قضية حديثة تمت إحالة مسئولين بمصلحة الضرائب إلى محكمة الجنايات، لاتهامهم بتلقى والتوسط فى رشاوى مالية دون وجه حق فى القضية المعروفة إعلامياً برشوة مصلحة الضرائب. كانت النيابة قد وجهت إلى المتهمين فى تلك القضية تهمة الحصول على رشاوى تقدر بأكثر من 27 مليون جنيه مقابل إنهاء إجراءات الفحص الضريبى لملفات بعض الشركات.
فى الختام، لا ينبغى النظر إلى هذه المقالة على أنها تهاجم مصلحة الضرائب أو المسئولين، بل هى فى واقع الأمر تنتقد بموضوعية بعض الجوانب السلبية فى أداء مصلحة الضرائب، وتسعى إلى تقديم مقترحات ربما يكون من شأنها إصلاح الأحوال.