شرعت البنوك المركزية بالأسواق الناشئة، في أول دورة تشديد نقدي مستدامة منذ عام 2011، وهو ما يرجع إلى الضغوط الناجمة عن الانخفاض المستمر في العديد من العملات، ويؤدي إلى تصاعد التضخم وإجبار بعض البنوك المركزية على التدخل للدفاع عن عملاتها.
وكانت الأرجنتين المثال الأكثر إثارة، إذ رفعت البلاد أسعار الفائدة إلى مستوى قياسي يبلغ 60% نهاية الأسبوع الماضي، وهو ما يزيد عن ضعف المعدل الذي سجلته بداية العام الحالي، في محاولة يائسة منها لدعم “البيزو” المنهار.
ورفعت تركيا سعر الفائدة القياسي بنسبة 10% في 2018، ليصل بذلك إلى 17.75%، رغم أن البنك المركزي التركي تعرض لانتقادات واسعة النطاق لإبقائه أسعار الفائدة كما هي دون تغيير منذ يونيو الماضي، حتى مع استمرار انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار اﻷمريكي بنسبة 43% منذ بداية العام وحتى الآن.
بالإضافة إلى ذلك، شددت البنوك المركزية في الهند وإندونيسيا والفلبين وجمهورية التشيك، السياسة النقدية في أغسطس الماضي.
ونتيجة لذلك، ارتفع مؤشر أعدته مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” للأبحاث والدراسات الاقتصادية، لقياس عدد البنوك المركزية في الأسواق الناشئة التي رفعت أسعار الفائدة مخصوما منها أعداد البنوك التي خفضت اﻷسعار، إلى أعلى مستوياته منذ عام 2011، عندما كان العالم لا يزال يتعافى من المرحلة الأكثر حدة للأزمة المالية العالمية.
وقال كبير خبراء الاقتصاد بالأسواق الناشئة لدى مؤسسة “كابيتال إيكونومكس”، إنه تم تشديد السياسة النقدية بشكل كبير على مدى الأشهر القليلة الماضية، وبدأ العالم الناشئ أول دورة تشديد مستمرة منذ عام 2011.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن هذا التضييق سيزيد من حدة الضغط على السيولة التي تم الشعور بها في معظم دول العالم الناشئة بالفعل، حيث دفع ارتفاع الدولار إلى سحب المستثمرين في المحافظ الأجنبية أموالهم من الأسواق الناشئة وتوجيهها للولايات المتحدة.
ويعتقد جاكسون، وجود دافعين كبيرين وراء ارتفاع أسعار الفائدة، أولهما يتمثل في تعرض عملات دول الأسواق الناشئة ذات الحساب الجارى الهائل، والعجز في الموازنة الحكومية، للضغط، في ظل هروب المستثمرين الأجانب، مما اضطر دول منها الأرجنتين وإندونيسيا وأوكرانيا وتركيا لرفع أسعار الفائدة في محاولة منها للدفاع عن عملاتها، حتى وإن بدا البنك المركزى التركى الآن أقل حرصًا لفرض مزيد من التضييق.
وأوضح جاكسون، أن الدافع الثانى، هو تمتع بعض أجزاء العالم الناشئ، مثل شرق آسيا والهند ومعظم أوروبا الشرقية، بفترة من النمو الاقتصادي القوى.. لكن هذه الدول تعانى الآن بعض القيود وارتفاع الضغوط التضخمية المحلية، مضيفا أنه بعد مرور فترة من انخفاض أسعار الفائدة للغاية، بدأت البنوك المركزية الكبرى تشديد الشروط النقدية، على غرار ما يحدث في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ويعتقد جاكسون، أنه مع اقتراب الهند من نهاية دورة التشديد النقدى، توجد أماكن أخرى منها التشيك ورومانيا قد يكون أمامها شوط طويل لقطعه وسط قلق من عدم حدوث سياسة التضييق النقدي بسرعة كافية.
وفي أماكن أخرى في أوروبا الشرقية، من المتوقع أن تبدأ المجر وبولندا تطبيق سياسة التضييق النقدي خلال الستة أشهر المقبلة، بينما تقع الفلبين ومعظم دول شرق آسيا في مرحلة مبكرة أيضا.
ومع ذلك، جادل كبير خبراء الاقتصاد العالميين لدى بنك “جي.بي مورجان” اﻷمريكي، جوزيف لوبتون، بأن معدلات التضخم الأساسية في الأسواق الناشئة، التي تستبعد أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة والتي تستهدفها البنوك المركزية عمومًا، تتراجع في معظم الدول، مما خفف الضغوط المتجهة لرفع الأسعار.
وتشير البيانات الخاصة بـ”لوبتون”، إلى ارتفاع التضخم اﻷساسي في الأسواق الناشئة إلى 3.3% في يوليو الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ أبريل 2016، وبالفعل وصل التضخم في منطقة آسيا الناشئة إلى أعلى مستوياته في أربعة أعوام عند 2.6%، حتى وإذا كان لا يزال أقل من قراءات أمريكا اللاتينية البالغة 4.2% وأوروبا الناشئة والشرق الأوسط وأفريقيا البالغة 6%.
ومع ذلك، يعد التضخم الأساسي على مستوى الأسواق الناشئة البالغ 2.6% أقل بكثير مما كان عليه قبل عام، وأقل من المستوى الذي شهده معظم الوقت منذ عام 2011، كما انخفض التضخم اﻷساسي، بشكل خاص، من 4.1% إلى 3.3% في الـ 12 شهرا الماضية في أمريكا اللاتينية، في ظل عودة التضخم في البرازيل والمكسيك إلى مستوياته الطبيعية.
وقال لوبتون، إن آسيا الناشئة شهدت أيضا تراجعا في معدل التضخم الأساسي خلال الـ 12 شهرا الماضية، حتى لو ارتفعت المعدلات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا الناشئة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع التضخم التركي إلى 17.9%.
وأضاف لوبتون، أن هناك بعض الصدمات غير الاعتيادية في الأرجنتين وتركيا والبرازيل وروسيا، مما أدى إلى إعادة تقييم واسعة النطاق للأسواق الناشئة، ونتيجة لذلك اضطر صناع السياسة إلى الاستجابة لهروب رؤوس الأموال، وكل ذلك على خلفية استمرار البنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة.
وفي الواقع، تتوقع “كابيتال إيكونوميكس” تخفيف السياسة في دول منها المكسيك وروسيا وجنوب إفريقيا، العام المقبل.