بقلم: جيم أونيل، رئيس مجلس الإدارة السابق لوحدة إدارة الأصول فى “جولدمان ساكس”، وزير مالية بريطانى سابق
سوف يقال الكثير فى الذكرى العاشرة للأزمة المالية العالمية، لذا سأركز على الاقتصاد العالمى، والذى لم يكن ضعيفاً بقدر ما يعتقد الكثيرون.
ووفقاً لصندوق النقد الدولى، بلغ متوسط النمو الحقيقى “المعدل وفق التضخم” فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى 3.7% خلال الفترة من 2000 إلى 2010، وكان ليقترب من 4% إذا لم يحدث ما يعرف بالركود الكبير فى 2008، وعلى النقيض، بلع متوسط النمو السنوى حتى الآن فى العقد الجارى 3.5%، والذى يعد أبطأ قليلاً من متوسط المعدل خلال العقد الماضى، ولكنه أعلى من المعدل المسجل فى الثمانينيات والتسعينيات عند 3.3%.
ووفقاً لتقديراتى، ساهمت الصين بحصة فى النمو العالمى العقد الجارى أكبر من أى وقت مضى، مع تضاعف ناتجها المحلى الإجمالى 3 أضعاف تقريباً من 4.6 تريليون دولار تقريباً نهاية 2008 إلى 13 تريليون دولار اليوم، وتشكل الـ8 تريليونات دولار الإضافية تلك نصف الزيادة فى الناتج المحلى الإجمالى خلال العقد الماضى.
ولطالما أرجعت الأزمة المالية العالمية إلى الاختلالات داخل الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين فى العالم، وبينهما، وفى حين كان العجز بالحساب الجارى الأمريكى يقترب من 5% من الناتج المحلى الإجمالى عام 2008 “واقترب من 7% فى بعض الأرباع خلال 2007″، كانت الصين تحافظ على فائض هائل بالحساب الجارى يصل إلى 9% أو أكثر.
وبعد الأزمة توقعت أن تتبادل أمريكا والصين مكانيهما إلى حد ما خلال العقد التالى، واحتاجت الصين إلى الإنفاق أكثر والادخار بقدر أقل، واحتاجت الولايات المتحدة الادخار أكثر والإنفاق بقدر أقل، وبالنظر إلى حسابهم الجارى اليوم، يبدو أن الدولتين أحرزتا تقدماً على هذه الجبهة، ففى 2018، تراجع الفائص الصينى إلى 1.5% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو قدر كبير بالنظر إلى تضاعف الناتج المحلى الإجمالى منذ 2008، والمثير للدهشة بنفس القدر، هو تسجيل الولايات المتحدة لعجز بنسبة 2% أو 2.5% من الناتج المحلى، أى داخل نطاق 2% إلى 3% الذى يعتبره الكثير من الاقتصاديين نطاقاً مستداماً.
ومع ذلك، فإن المؤشرات العالمية الأخرى ليست مشجعة بنفس القدر، ففى 2008، أدارت منطقة اليورو عجز فى الحساب الجارى بنسبة 1.5% من الناتج المحلى الإجمالى، بينما سجلت ألمانيا فائضاً بحوالى 5.5%، ولكن يعود الفائض الكبير لألمانيا بقدر كبير إلى العجوزات الضخمة فى دول منطقة اليورو الأخرى، وهذا الاختلال مهد الطريق لأزمة اليوور بعد 2009، والمثير للقلق، أن فائض ألمانيا توسع منذ ذلك الحين إلى حوالى 8% من الناتج المحلى الإجمالى، ونتيجة لذلك أصبحت منطقة اليورو تدير فائضاً يقترب من 3.5%، رغم، وربما أيضاً نتيجة سنوات الضعف فى الطلب المحلى بالدول المطلة على البحر المتوسط، وهذا بالتأكيد يعد علامة على المزيد من عدم الاستقرار فى المستقبل، وفى الواقع، قد تكون الأزمة التى تنضج ببطء فى إيطاليا هى نذير لما ينتظر الكتلة بالمستقبل.
وكان أحد السمات الرئيسية للاقتصاد قبل الأزمة المالية العالمية هو فقاعة الإسكان الأمريكية التى نتجت فى حد ذاتها من اختراع القطاع المالى لطرق حساسة ومشكوك فيها لإعادة تدوير المدخرات العالمية، وبعد 10 سنوات، من الجدير بالذكر أن أسعار المنازل فى العديد من المدن العالمية مثل لندن ونيويورك وسيدنى وهونج كونج أصبحت أعلى من إمكانيات سكانيها الدائمين وهذا بفضل الطلب المتزايد من المستثمرين الأجانب الأثرياء.
ولكن اعتباراً من العام الجارى توجد دلائل متزايدة على أن أسعار المنازل فى هذه المدن وغيرها ربما ستنخفض أسعارها، وبالتأكيد، سيكون الانخفاض التدريجى فى أسعار المنازل بهذه المدن تطوراً مرحب به فيما يتعلق بالمساواة الاقتصادية والاجتماعية، ولكن عادة يصاحب تراجع أسعار المناز آثار جانبية مدمرة.
وبعد تولى منصب رئيس مجلس إدارة “تشاتوم هاوس”، مركز الأبحاث فى الشئون الدولية، أحرص على تشجيع المزيد من البحث فى عوامل مثل تكاليف المنازل وارتباطها بالقضايا الأوسع للدخل والثروة وعدم المساواة، واعتقد أن العالم بحاجة إلى مقاييس أفضل لتتبع هذه الصلات.
وإذا كانت التصورات الشائعة بشأن عدم المساواة تميل إلى تضخيم ما يحدث بالفعل، فذلك لأن الكثير من كبار المدراء التنفيذيين يجنون أموالا ضخمة بشكل متزايد نسبة إلى من يعملون تحتهم، ويمكن جعل حزم الأجور تلك أكثر معقولية عند ربطهم بأداء الأسهم، ولكن هذا أيضاً لن يبرر مكاسبهم الضخمة.
وهذا جانب آخر أود أن ندرسه فى “تشاتوم هاوس” وهو الصعود الغريب بسوق الأسهم والمستمر دون مقاطعة تقريباً منذ 2009، والذى يعود جزئياً إلى عمليات إعادة شراء الأسهم من قبل الشركات الكبيرة، وفى بعض الحالات، أصدرت الشركات سندات لتمويل إعادة شراء أسهمها.
فهل يفسر تنامى عمليات إعادة الشراء الضعف المشهود فى الاستثمارات الثابتة والإنتاجية عبر الغرب؟ وهل هذه العوامل الاقتصادية الكلية تفسر بعض الانتفاضات السياسية فى الديمقراطيات الغربية مثل بريطانيا وأمريكا خلال السنوات الأخيرة؟
وفى كلتا الحالتين، أظن أن الإجابة هى نعم، وحتى نستعيد العالم الذى تخدم فيه فعلياً أرباح الشركات هدف واضح، فإن احتمالية وقوع المزيد من الصدمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ستظل عالية بقدر غير محتمل.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع “بروجيكت سنديكيت”