أخيراً.. وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون تنظيم الدفع غير النقدى فى إطار تحقيق توجه الدولة نحو الشمول المالى الذى يهدف إلى أن يجد كل فرد أو مؤسسة أو نشاط أعمال فى المجتمع منتجات مالية مناسبة لاحتياجاته. ليس هذا فحسب، بل يحقق الدفع غير النقدى خفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفى، ودعم وتحفيز استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية فى الدفع بدلاً عنه. يبقى السؤال المهم، هل تصبح مصر إلى حد معقول مجتمع غير نقدى؟
مصطلح المجتمع غير النقدى هو وضع اقتصادى يتم فيه نقل القيمة من خلال البيانات الرقمية (عادةً ما تكون أموالاً إلكترونية) بين أى طرفين بينهما معاملات مالية بدلاً من استخدام الأموال النقدية التى تتمثل فى العملات الورقية أو النقدية.
وقد نشأت هذه المجتمعات وتنمو تدريجياً اعتماداً على طرق التبادل الأخرى للقيمة، كما أصبح شائعاً القيام بتنفيذ التعاملات غير النقدية باستخدام العملات الإلكترونية كعملة بيتكوين.
ينتشر فى أماكن كثيرة من العالم منذ بداية العقد الماضى موجة سريعة ومتزايدة لاستخدام الأساليب الرقمية بشكل إلكترونى فى تسجيل وإدارة وتبادل الأموال فى التجارة والاستثمار والحياة اليومية، بالإضافة إلى التعاملات المالية التى كان يتم تنفيذها باستخدام النقود بأشكالها المعروفة.
وقد وضعت بعض الدول عدداً من التشريعات تنظم التعاملات المالية غير النقدية وحدودها وقيمها وضوابطها ووسائل الحماية وغيرها من الأمور التى تكفل تطبيق نظام الدفع النقدى فيها بشكلٍ قانوني.
وبالنظر إلى نشأة استخدام المعاملات والتسويات غير النقدية فى الحياة اليومية، نجدها ترجع إلى التسعينيات من القرن الماضى عندما أصبحت المعاملات البنكية الإلكترونية واسعة الانتشار. غير أنه منذ عام 2010 شهدت هذه السنوات توسعاً كبيراً فى الاعتماد على وسائل الدفع الرقمية بشكل أكبر فى العديد من الدول.
وقد تأسست مواقع ومنصات إلكترونية عملاقة فى مجال التجارة الإلكترونية كموقع «باى بال» التجارى وموقع «أمازون» و»على بابا»، إلى جانب أنظمة المحفظة الرقمية التى تروج لها الآن البنوك المصرية، بالإضافة إلى المدفوعات الرقمية بواسطة البطاقة الإلكترونية أو الهاتف الذكى أو الفواتير الإلكترونية.
ومع بداية عام 2010 أصبح استخدام النقد فى بعض أنواع المعاملات المالية أمراً اعتيادياً لدفع المشتريات والرسوم الحكومية والجمارك، وتحويل المبالغ النقدية الكبيرة التى كان يٌنظر إلى التعامل معها بنوع من الشك فى بعض الحالات؛ بسبب القيود المفروضة على التعاملات النقدية الكبيرة وخشية استخدامها فى عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
هذا الإقبال السريع على المعاملات غير النقدية أصبح نشطاً جداً فى بعض المجتمعات؛ حيث سجلت المملكة المتحدة منذ عام 2016 أن واحداً من بين كل سبعة أشخاص لم يعد يستخدم العملات النقدية فى تعاملاته ولا يحملها.
كما أوضحت دراسة استقصائية للمستهلك فى عام 2016، أن %75 ممن شملهم البحث يفضلون بطاقة الائتمان أو بطاقة الخصم كوسيلة للدفع، فى حين أن %11 فقط ما زالوا يفضلون استخدام النقود فى المعاملات.
وفى الهند على سبيل المثال، سيحل الدفع الرقمى محل الدفع بالعملة الورقية والمعدنية بحلول عام 2022. كذلك توقع رئيس دويتشه بنك الألماني، أن يختفى الدفع النقدى فى غضون عشر سنوات.
فى إطار فرض الأمر الواقع لتعزيز انتشار استخدام المعاملات غير النقدية، قامت عدة دول فى الغرب بالسماح للبنوك بإغلاق أجهزة الصرف الآلى والفروع. وتقوم البنوك فى هذه الدول بإجبار المتعاملين على استخدام المدفوعات الرقمية والبنية التحتية المصرفية الرقمية.
وهناك هدف آخر تسعى البنوك إلى تحقيقه وهو خفض التكاليف من أجل زيادة الأرباح. هكذا تسعى المؤسسات المالية إلى نشر استخدام نظم المدفوعات الإلكترونية، وبنيتها التحتية للتحول إلى الاقتصاد الرقمى الأكثر كفاءة وفاعلية.
وفى مطلع عام 2017 أصدر الرئيس «عبدالفتاح السيسي» قراراً بتأسيس المجلس القومى للمدفوعات برئاسته. يهدف المجلس إلى تحقيق الأهداف التالية:
- تطوير نظم الدفع القومية وأطر الإشراف عليها للحد من المخاطر المرتبطة بها من أجل خلق نظم أمنة وذات كفاءة وفاعلية.
- العمل على تحقيق الشمول المالى بهدف دمج أكبر عدد من المواطنين فى النظام المصرفى وضم القطاع غير الرسمى إلى القطاع الرسمى وتخفيض تكلفة انتقال الأموال وزيادة المتحصلات الضريبية.
- حماية حقوق مستخدمى نظم وخدمات الدفع.
- تحقيق تنافسية سوق خدمات الدفع وتنظيم عمل الكيانات القائمة ورقابتها.
وبالعودة إلى مشروع قانون تنظيم الدفع غير النقدي، يأتى هذا القانون فى إطار توجه الدولة نحو تحقيق الشمول المالى بما يكفل حصول المواطنين من مختلف المستويات الاجتماعية والمناطق الجغرافية على خدمات المؤسسات المالية والمصرفية.
ينص مشروع القانون الجديد على أن تقوم الحكومة بدفع جميع المرتبات إلكترونياً باستثناء العمالة المؤقتة، إلى جانب إلزام المتعاملين مع الحكومة على الدفع الإلكترونى متى تخطت القيمة المدفوعة الحدود القصوى التى ينص عليها باللائحة التنفيذية ؛ غير أن تطبيق القانون يجب أن يراعى عدة عوامل؛ منها مدى استيعاب المتعاملين لاستخدام منظومة الدفع الإلكتروني، والتقدم فى تأسيس البنية التحتية الداعمة للمنظومة، إلى جانب التدريب والتأهيل اللازم للموظفين العاملين فى الجهات التى سوف تستخدم منظومة الدفع الإلكترونى.
إذن هل تصبح مصر فى خلال العقدين القادمين مجتمعاً غير نقدى تسود فيه التعاملات والمدفوعات الإلكترونية؟ ربما يصبح هذا الحلم حقيقة.
أتمنى ذلك!