ذكرنا بالمقال الأول، أنَّ الهدف الأساسى للمقالتين هما مشاركة الدولة فى إعادة هيكلة صناعة الصحة، وفق منظور واقعى اقتصادى بحت يضمن تطورها واستمرارها.
أكدنا أن الصحة هى سلعة Commodity ترتبط بمصادر غير متجددة Limited Resources، وذكرنا أيضاً، أن معظم خبراء الاقتصاد يؤكدون أن «حافز الربح وحرية العمل» هما وسيلتان مضمونتان لاحتواء التكاليف.. اليوم نعرض العديد من التحديات والتى تؤكد تلك النظرة، ونقدم الحلول المجتمعية المقترحة من قبلنا.
يواجه البشر تحديات صحية ضخمة؛ أهمها أساليب الحياة غير الصحية «السجائر والكحوليات والمخدرات والوجبات السريعة غير الصحية والسمنة المفرطة وقلة ممارسة الرياضة والضغوط النفسية المتصاعدة».. كلها أساليب تستهلك المال والصحة وتضغط بشدة على الموازنات العامة للدول.
التحدى الأكبر الآخر يكمن فى التطور المسمى Personalized Medicine الدواء الشخصى، وهى أدوية يتم تصميمها لعلاج مرض محدد لشخص بعينه، وهذا مكلف للغاية ولن يستطيع الحصول علية إلا الأثرياء فقط.
من المؤكد ومن الطبيعى ألا يكون هناك دواء أو علاج أو أى خدمة أو سلعة «بالمجان»؛ لأن الشركات ورجال الأعمال يجب أن يحصلوا على عوائد جيدة لتغطية تكلفة الأبحاث العلمية وتكلفة مخاطر الفشل وإلا فلن يستثمروا أبداً.
المستقبل لا يحمل أى علاج دوائى للفقراء وهو شىء مؤسف للغاية؛ لأن الأبحاث تحتاج إلى تمويل ضخم وبالتأكيد ينعكس التمويل على السعر، ولن يقدر عليه إلا الأثرياء.
إن ما تشهده البشرية من تطور رائع ومتسارع فى العلاج والتقنيات لا يواكب (ولا حتى يقترب بأى حال من الأحوال) الكوارث المؤدية لتلك المشاكل الصحية والتى يشارك وبقوة الإنسان غير السوى فى وجودها وانتشارها.
إننا نرى ضرورة قصوى لخلق نظام Risk assessment الذى يكافئ المواطن السوى ويعاقب مالياً غير الملتزم صحياً.. لا يعقل ولا يصح أن يتحمل المجتمع أموالاً طائلة لعلاج المدخن والمدمن من أموال ومجهود المواطن الملتزم.
إن معاملة الرعاية الطبية كسلعة سيؤدى إلى تطابق العرض مع الطلب (بعد وقت وجيز) ويتحقق السعر العادل للخدمة، وتتوفر الخدمات؛ حيث يحتاجها المواطن، وهو بالضبط ما يرغبه ويتمناه كل المواطنين.
يجب على الدولة أن تتنازل عن دورها التقليدى الذى تلعبه حالياً فى إدارة المنظومة الصحية، وتتجه نحو مجموعة من التوجهات الجديدة نذكر منها خمسة توجهات أساسية.
أولاً: فرض رسوم (غرامات) تصاعدية على الأغذية غير الصحية، وعلى الإعلانات المرتبطة، وهو أمر سيؤدى إلى عزوف عدد كبير من الناس عن تداولها واستبدالها بالأغذية الصحية المعتادة.
ثانياً: الاستثمار فى شركات ذات المخاطر المرتفعة Venture Capital فى مجال البحوث الدوائية الأساسية من أموال دافعى الضرائب بهدف احتواء تكلفة البحوث، ومن ثم الحصول على سعر مناسب للجمهور.
ثالثاً: الدعوة الى إشهار شركات «طب تكافلى» وهى نوع من الشركات المساهمة العادية جداً، يتكون رأسمالها من مساهمات من أعداد كبيرة للغاية «أقل عدد 200 ألف مساهم» برأسمال مدفوع لا يتجاوز الـ10 ملايين ج. م للشركة، مقسم بنسبة %70 على رجال أعمال و%30 للمساهمين المحليين »سكان منطقة جغرافية محددة» يدفع كل واحد مبلغ 15 ج. م قيمة المساهمة فى الشركة.
شركة «تكافل» تقدم خدمات الوقاية والخدمات الأولية «الكشف والفحوصات الدورية والتطعيم والوقاية والتوعية للأسرة»، والأهم أنها ستنشئ ملفاً طبياً موحداً ودقيقاً لكل مواطن، وتستخدم أحدث طرق التواصل والتطبيب عن بُعد وتقنيات أخرى متعددة مثل Health Informatics بهدف الحد من الأمراض المستقبلية، وتوقع حدوثها لاحتواء تداعياتها، وذلك من خلال اشتراكات شهرية لا تتجاوز الثلاثة جنيهات شهرية للفرد.
رابعاً: خدمة الطوارئ، فهذه الخدمة يجب أن تؤدى من خلال السعر العادل والحوافز الجيدة والحرية المطلقة، ومن خلال صندوق خاص يسمى «صندوق الرعاية الطارئة» يعامل مثلما تعامل صناديق الاستثمار المباشر، بنفس آليات إدارتها ونفس آليات مراقبته من حيث الحوكمة والشفافية.
خامساً: تهيئة المناخ التشريعى لخلق شركات تأمين صحى عملاقة من خلال طرحها للاكتتاب IPO ليسهم بها ملايين من المصريين بهدف ربط المكسب والخسارة للسهم.. مثال سوء الاستعمال والاستخدام والاستغلال الخدمة الصحية Abuse يؤدى إلى هبوط ربحية السهم.
وأخيراً الواقعية دائماً تؤدى إلى حلول صحيحة، ونؤكد أننا لا يجب أن نخجل من عدم قدرة مجتمعنا على توفير الخدمات للجميع فى نفس الوقت وبنفس الجودة الطبية والجودة الفندقية، فهذا يحدث فى العالم أجمع.
يجب أن نركز على خلق نظام طبى جديد يركز على الوقاية علاج التوقع ويستخدم العلوم الحديثة مثل Deep learning& Data Analytics وخلق البيئة التشريعية والتى تسمح بتقديم الخدمات بطريقة مستدامة وبأسعار تنافسية مع ضمان الجودة.