هل الزيادة السكانية نعمة يجب أن نشكر الله عليها، أم أنها ربما تكون كارثة تدفع الدول إلى نفق مظلم من الأزمات المتعددة؟ متى يكون السكان ثروة بشرية ورأسمالاً تستغله الدولة لتحقيق الرفاه، وكيف يتم الاستثمار في صحة البشر وتعليمهم لتحقيق التنمية؟ هذا ما سوف نتناوله بإيجاز في هذا المقال.
بالطبع لا يتوفر إجابة واحدة يمكن الاستناد إليها تصلح لجميع الدول التي تعاني زيادة سكانية هائلة حيث ينمو معدل زيادة السكان بسرعة كبيرة تفوق نمو معدلات التنمية، كما هو الحال في مصر.
ولكن أصبح من الواضح أن زيادة الاستثمارات في صحة البشر وتعليمهم وتغطيتهم بشبكات الأمان الاجتماعي أمراً ضرورياً على اعتبار أن السكان يشكلون رأس المال البشري لأي مجتمع.
يتكون رأس المال البشري من المعارف والمهارات والقدرات الصحية المتراكمة لدى الأفراد في المجتمع على مدار حياتهم بما يجعلهم قادرين على استغلال إمكاناتهم كأفراد منتجين في المجتمع.
لذلك يمكن القضاء على الفقر المدقع وبناء مجتمعات أكثر شمولاً من خلال برامج تنمية رأس المال البشرى؛ حيث يتطلب ذلك الاستثمار في البشر عن طريق توفير التغذية، والعناية الصحية، والتعليم الجيد، والوظائف، وبناء المهارات وتنمية القدرات.
لكن لماذا الاهتمام الآن برأس المال البشري؟ هناك اهتمام عالمي بهذا الموضوع تقوده مجموعة البنك الدولي التي تتبنى مشروع رأس المال البشري، وهو قيد التنفيذ حالياً.
وفقاً لبيانات المشروع، فإنَّ تكاليف عدم اتخاذ أي إجراء بشأن تنمية رأس المال البشري آخذة في التزايد. وبدون رأس المال البشري، لن تتمكن الدول من مواصلة النمو الاقتصادي، ولن تكون لديها قوة بشرية عاملة مؤهلة للعمل في وظائف تتطلب مهارات أعلى في المستقبل، ولن تنافس بفاعلية في الاقتصاد العالمي. وتواصل مجموعة البنك الدولي جهودها بالمشاركة مع 30 دولة نحو إطلاق مؤشر جديد لرأس المال البشري قبل نهاية 2018، ولتحديد النهج الاستراتيجية لتحقيق التحول المطلوب في نتائج رأس المال البشري لديها.
من المتوقع أن يسهم مشروع رأس المال البشري في تحديد أولويات الاستثمارات التي تخطط لها الدول في المستقبل، ومن ثم توجيه الاستثمار في التعليم والتدريب والرعاية الصحية إلى المجالات التي تخطط لها الدولة. ولذلك تسعى الدول إلى إحراز تقدم سريع نحو تحقيق أهداف ذات صلة مثل أن يصل جميع الأطفال إلى مدارسهم وهم يتمتعون بتغذية جيدة وعلى استعداد لتلقي العلم، ويحصلوا على تعليم جيد داخل الفصول، وأن يكونوا قادرين على الالتحاق بسوق العمل مستقبلاً وهم يتمتعون بالصحة والمهارات والقدرات التي يحتاجها سوق العمل والقدرة على الإنتاج.
والرسالة التي تتبناها مجموعة البنك الدولي هي “إذا كنا نريد عالماً أفضل، عالماً مستقراً وأكثر ازدهاراً وإنصافاً، عالماً يحقق فيه الناس إمكانياتهم، لا بد للبلدان من البدء في الاستثمار بمزيد من الفاعلية في مواطنيها من اليوم”.
تبين الدراسات أن أكثر من نصف سكان العالم لا يحصلون على الخدمات الصحية الأساسية، ويتزايد على نحو سريع تحول حوالي 100 مليون فرد إلى دائرة الفقر المدقع سنوياً نتيجة عدم كفاية الخدمات الصحية. وهناك أربعة من بين كل خمسة فقراء يعانون بشدة نتيجة عدم شمولهم في شبكات الأمان الاجتماعي. كذلك يعاني أكثر من 750 مليون فرد بالغ من الأمية، حيث تنخفض إنتاجيتهم مدى الحياة بشدة نتيجة ضعف تعليمهم. ليس هذا فحسب، بل إن هناك أكثر من 260 مليون طفل غير مقيدين في التعليم الابتدائي أو الثانوي، ونحو ربع مليار طفل آخر لا يستطيعون القراءة ولا الكتابة على الرغم من التحاقهم بالدراسة.
بعد عرض هذه الحقائق المفزعة، يتضح أن النقص الشديد في التعليم والرعاية الصحية الأساسية، وعدم كفاية شبكات الأمان الاجتماعي يشكلان أكبر المعوقات لتحقيق التنمية، والاستغلال الأمثل للسكان باعتبارهم رأس المال البشرى.
لقد حان الوقت الآن للاعتراف بأن الاستثمار في البشر هو استثمار ضروري في النمو الشامل للجميع، ويجب على جميع الحكومات أن تضع على سلم أولوياتها أن يكون السكان ثروة بشرية منتجة، بدلاً من أن تصبح عبئاً على كاهل الدولة تنهك اقتصادها. وفي الوقت ذاته تعوق تقدمها بينما تستمر المعاناة مع أحوال معيشية صعبة، وينزلق أعداد هائلة سنوياً إلى هوة الفقر. فإذا لم توجه الحكومات الاهتمام نحو المزيد من الاستثمارات الاستراتيجية في تنمية البشر، سيدفع الاقتصاد ثمناً باهظاً في المستقبل.