الحرب أعاقت التجارة عبر الحدود وعرقلت تدفق السياح الأجانب
الوزير السابق ياسين جابر: “الأمر أشبه بالقيادة على الطريق السريع دون فرامل”
يعرف بناة لبنان كيف يستفيدون من الأزمة ؛ فمهمة إعادة إعمار البلاد بعد الحرب الأهلية، كانت بمثابة نعمة لقطاع الإنشاءات، وكان المقاولون يتوقعون ربحاً مماثلاً فور انتهاء القتال في سوريا المجاورة.. لكن خططهم تم إحباطها.
وقال رئيس نقابة مقاولي البناء في لبنان، مارون حلو :”اعتقد الجميع أن الأزمة السورية تمت تسويتها .. لكن مستقبل البلاد أصبح غير واضح مع استمرار الجهود الدولية لتفادى نشوب معركة دامية في محافظة إدلب، التي يسيطر عليها المتمردون”.
والأكثر من ذلك أن سوريا لا تزال تشكل عبئاً على الاقتصاد اللبناني، مما يزيد مجموعة المشاكل التي تعوق نموها.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن الحرب السورية التي دامت 7 سنوات أعاقت التجارة عبر الحدود ودفعت أكثر من مليون لاجئ إلى لبنان وعرقلت تدفق السياح الأجانب.
وقال صندوق النقد الدولي، إن إجمالي نمو الناتج المحلي الذي سجل أرقاما كبيرة قبل عقد من الزمان، تقريباً، من المتوقع أن ينخفض إلى 1% أو 1.5% العام الجارى.
وفى الوقت الذى ترتفع فيه أسعار الفائدة العالمية إلى جانب المأزق السياسي في لبنان ، يحذر العديد من الاقتصاديين من أن البلاد معرضة لخطر التخلف عن سداد ديونها العامة المتضخمة بالفعل والتى تبلغ قيمتها 83 مليار دولار، وهو ما يعادل 150% من الناتج المحلي الإجمالي وهو ثالث أعلى معدل في العالم.
وقال دبلوماسي غربي، إن قضية اللاجئين السوريين سوف تدفع لبنان نحو أزمة اقتصادية حتمية.
وأوضح محافظ البنك المركزي اللبناني، رياض سلامة، أن المشاكل الاقتصادية للبلاد جاءت بسبب اللاجئين السوريين والحروب التي تسير في الشرق الأوسط.
وقدر البنك الدولي، أن الأزمة السورية كلفت لبنان ما يقرب من 3% من نمو الناتج المحلي الإجمالي عام 2014، وأن اللاجئين أضافوا 1.1 مليار دولار لتكاليف الدولة اللبنانية بين عامى 2012-2014.
لكن أشار سلامة، أيضا إلى التوترات السياسية في المنطقة وكذلك في بيروت، حيث حال المأزق السياسي حول تشكيل الحكومة دون إجراء إصلاح حقيقي.
ورغم إجراء الانتخابات الوطنية قبل خمسة أشهر، إلا أن السياسيين اللبنانيين استمروا في مناصبهم الوزارية.
ودعا صندوق النقد الدولي، بيروت، إلى خفض الإنفاق العام من أجل تثبيت عجز موازنتها فى وقت تنفق فيه البلاد ما يقرب من 40% من الإيرادات الحكومية على مرتبات القطاع العام.
وأكدّ سلامة، أن لبنان بحاجة إلى حكومة لتنفيذ الإصلاحات وتعزيز الثقة ووقف توسيع القطاع العام ودعم القطاع الخاص .
وكانت إحدى علامات التقدم هي تمرير موازنة حكومية في مايو الماضي، وهي الأولى التي يوافق عليها البرلمان اللبناني منذ عام 2005.
ومع ذلك ، فإن أزمة اللاجئين تلوح في الأفق وهو ما دفع لبنان للانضمام إلى المساعي الروسية لإقناع الدول الأوروبية بدعم الجهود الرامية إلى إعادة اللاجئين إلى سوريا وتمويل حملة إعادة الإعمار.
لكن حججهم فشلت في إقناع المانحين الأوروبيين الذين رفضوا فتح قنوات التمويل من أجل إعادة الإعمار حتى عودة اللاجئين ومشاهدة أدلة على وجود عملية سياسية في سوريا.
وأعرب سلامة، عن أمله في أن يؤدي الحل السياسي في سوريا إلى رفع العقوبات التي شكلت تحديات للبنوك على المستوى الإقليمي.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن البنوك اللبنانية تعتمد بالفعل على حقن النقد الأجنبي ،إذ قال رائد خوري، وزير الاقتصاد:” نظامنا النقدي يقوم على التدفقات المستمرة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاع المصرفي”.
واستخدم البنك المركزي اللبناني منذ عام 2016 ، هندسة مالية غير تقليدية للحفاظ على ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأمريكي، وزيادة احتياطيات العملة الأجنبية وتخفيض تكلفة تمويل ديون الحكومة اللبنانية.
لكن هذه التحركات زادت من مستوى الديون المقومة بالدولار.. ومع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية يتم إنفاق مزيد من إيرادات الخزانة على خدمة الديون.
يذكر أن لبنان لم تتخلف أبداً عن سداد ديونها السيادية.. لكن الاقتصاديين يخشون من أن العبء الحالى لا يمكن تحمله ،لأن اقتصادها الهش يعتمد على التحويلات المالية الأجنبية بنسبة 16% من ناتجها المحلي الإجمالي.
وخفض البنك الدولي، مؤخراً توقعاته للنمو في الناتج المحلي الإجمالي للبنان بمقدار النصف إلى 1% العام الحالي، مشيراً إلى نهاية خطة الإقراض المدعومة من البنك المركزي والتي ساعدت على دعم قطاع العقارات منذ عام 2012.
ويدفع غياب الإصلاح المالي، الكثيرين للقلق حيال اقتراب لبنان من حافة الهاوية.
وقال ياسين جابر ، نائب لبناني ووزير الاقتصاد السابق: “الأمر أشبه بالقيادة على الطريق السريع دون فرامل.. ولكن ينبغى أن نتجنب الوصول إلى طريق مسدود قبل فوات الأوان”.