تساعد الشركة الوطنية الحكومية المحفوفة بالمخاطر “بتروليوس دى فنزويلا” والتى تشرف على أكبر احتياطيات بترول فى العالم، فى تفسير عمق انهيار فنزويلا ولماذا تجد نفسها وسط عاصفة سياسية؟.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” إن الفساد وسوء الإدارة فى الشركة الحكومية المنتجة للبترول الفنزويلى والذى يمثل 90% من إيرادات الحكومة أدى إلى تراجع الإنتاج ليسجل أدنى مستوى له فى ثلاثة أرباع قرن من الزمان.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن هذه المشكلات دفعت الاقتصاد لينخفض إلى نصف قيمته خلال 5 سنوات وهو انكماش أسوأ مما كان عليه فى فترة الكساد الكبير أو الحرب الأهلية الأسبانية.
وتسبب الركود الكبير فى نزوح جماعى مماثل لهروب اللاجئين السوريين حيث هرب أكثر من 2 مليون نسمة من سكان فنزويلا البالغ عددهم 30 مليون نسمة منذ عام 2015 ويمكن أن يكون هناك مليونان آخران بحلول نهاية عام 2019 وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن فنزويلا أصبحت مصدر رئيسى لعدم الاستقرار الإقليمى ويكافح جيرانها للتأقلم مع هذا الوضع الجديد.
يأتى ذلك فى الوقت الذى حاول فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، منذ دخوله البيت الأبيض جعل فنزويلا ضمن أولويات سياسته الخارجية إلى جانب كوريا الشمالية وإيران.
ومنذ ذلك الحين فرضت الولايات المتحدة إلى جانب كندا وأوروبا عقوبات على المسئولين المتهمين بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان فى فنزويلا.
وتراجع إنتاج البترول الفنزويلى فى سبتمبر الماضى إلى أدنى مستوى له منذ أربعينيات القرن العشرين ويقدر بعض المحللين أنه يمكن أن ينخفض مرة أخرى إلى 700 ألف برميل يومياً بحلول نهاية 2018.
وذكرت “فاينانشيال تايمز” أن القيمة التى تحصل عليها فنزويلا من تصدير البترول يتم إرسال معظمها إلى الصين وروسيا ﻷجل سداد ديونها المتراكمة.
وكشفت البيانات أن حجم الأموال التى تم سرقتها أو اختلاسها من فنزويلا بلغت حوالى تريليون دولار خلال طفرة السلع الأساسية.
وطوال الوقت يكرر الرئيس الفنزويلى، شعاره بأن الولايات المتحدة تعرض بلاده لحرب اقتصادية وتريد أن تضع يدها على خام البلاد.
ومنذ اكتشاف البترول فى بحيرة ماراكايبو، خلال عشرينيات القرن الماضى سيطر الخام على اقتصاد البلاد.
وكانت فنزويلا عضوًا مؤسسًا بمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” وعندما قام الرئيس كارلوس أندريس بيريز، بتأميم الصناعة وتأسيس شركة “بتروليوس دى فنزويلا” عام 1976 ضخت البلاد أكثر من 3 ملايين برميل يوميًا.
ولكن فى الوقت الراهن أصبحت الأرقام تتحدث عن نفسها فقد انخفض الإنتاج إلى النصف خلال 6 أعوام وتراجع بمقدار الثلث فى العام الماضى وحده.
وفى سبتمبر الماضى ضخت فنزويلا 1.2 مليون برميل يومياً وهو أدنى معدل إنتاج لها منذ أربعينيات القرن الماضى.
وقال فرانسيسكو مونالدي، زميل فى سياسة الطاقة لدى معهد “بيكر” إن فنزويلا أحد أسوأ الانهيارات فى التاريخ.
ومع انخفاض كمية البترول التى يتم تكريرها أصبح انقطاع التيار الكهربائى أمراً شائعاً وهناك قرى تمر خمسة أو ستة أيام بدون كهرباء إلى جانب تراجع المعروض من البنزين.
وأصبحت شركة “بتروليوس دى فنزويلا” على حافة الانهيار المالى بعد أن تخلفت عن سداد ديونها وتخاطر بفقدان أصول تكريرها فى الولايات المتحدة.
وفى عام 2015 قدر خورخى جيوردانى، وزير تخطيط سابق أنه من أصل تريليون دولار التى تلقتها فنزويلا من الارتفاع المفاجئ أثناء طفرة السلع تم إنفاق الثلثين على البرامج الاجتماعية والباقى الذى يبلغ حوالى 300 مليار دولار فقد تم سرقته أو اختلاسه.
وتمثلت أهم القضايا الفترة الأخيرة فى اختلاس الاموال وفى أغسطس الماضى كشف المحققون الأمريكيون عن مخطط لغسل حوالى 1.2 مليار دولار من أموال”بتروليوس دى فنزويلا”.
ووفقاً لوثائق المحكمة التى اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز” فإن خطة غسيل الأموال تضمنت شركات فى إسبانيا ومالطا وغاسلى أموال من البرتغال وأوروجواى وبنوك أمريكية وبريطانية غير مسمّاة وصناديق استثمار وهمية إلى جانب شركات فى روسيا وهونج كونج.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الآثار كانت كارثية على الاقتصاد ومع انهيار صادرات البترول انهارت حصة الفرد من الواردات بنسبة 80% فى 6 سنوات لتصل إلى 11.1 مليار دولار مقارنة بقيمة 66 مليار دولار عام 2012 وهى مستويات لم تشهدها البلاد منذ أربعينيات القرن العشرين.
وأدت ندرة السلع الأساسية إلى إثارة الغضب والمظاهرات العفوية وتدفق اللاجئين بأعداد أكبر من أى وقت مضى.
وعلى الرغم من إطلاق رئيس فنزويلا حزمة من الإصلاحات الاقتصادية فى أغسطس الماضى إلا أنها لم تفعل شيئاً لردع التضخم الذى بلغت نسبته بما يقارب 500 ألف% سنوياً.
وتوقع صندوق النقد الدولى، تقلص الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 18% العام الجارى ويستمر فى الانكماش بثبات بعد ذلك.
ويبدوا أن حلفاء فنزويلا مثل الصين التى أقرضت البلاد 60 مليار دولار مقابل البترول على مدى العقد الماضى أصبحوا مترددين فى إقراضها مجدداً.