بدأت مرحلة جديدة من النزاع المستمر منذ ثلاثين عاما بين الولايات المتحدة وإيران بدخول جولة جديدة من العقوبات على الجمهورية الإسلامية حيز التنفيذ بداية الشهر الجاري، ولكن هناك تساؤل هام يدورحول مدى تأثير تلك العقوبات على دول أخرى في المنطقة مثل قطر.
كان الرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب قد قرر في مايو الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، الذي طالما سعى له الرئيس السابق باراك أوباما، وفرض العقوبات مجددا.
وقال ترامب في تغريدة له على “تويتر”، في أغسطس الماضي، إن الدول التي تتعامل مع إيران لن تتعامل مع الولايات المتحدة، وبالتالي بدأ التهديد بفرض العقوبات يحدث تأثيرا بالفعل، فقد ألغت شركات مثل “توتال” الفرنسية للبترول الاستثمارات المخطط لها في إيران.
وتعد قطر واحدة من أصغر الدول في الشرق الأوسط ولكنها أيضا واحدة من أغنى الدول، فقد حققت صادرات الغاز الطبيعي إلى دول مختلفة مثل بريطانيا والصين زيادة هائلة في الإيرادات خلال العشرين عاما الماضية، هذا فضلا عن أنها تمتلك نحو 865 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز المؤكدة، كما أنها تعد أكبر دولة مصدرة في العالم فهي تمتلك أكثر من 27% من سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي.
وقال نيك باتلر، رئيس معهد “كينجز بوليسي” بجامعة لندن كوليدج، في مقال نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني أجُبر في العام الماضي على توثيق علاقته مع إيران بسبب الإجراءات التى فرضتها عليه أربع دول عربية بقيادة السعودية، فرغم أن تلك الإجراءات، بما في ذلك إغلاق الحدود البرية بين قطر والسعودية وإغلاق المجال الجوي على الطائرات القطرية، صممت لإجبار الدوحة على قطع علاقاتها مع طهران، إلا أنها أحدث تأثيرا معاكسا.
وازدادت التجارة بين قطر وإيران سريعا، وحافظ الطريق بين ميناء بوشهر الإيراني وقطر على تدفق إمدادات الغذاء والمواد الرئيسية الأخرى، هذا فضلا عن أن قطر استخدمت المجال الجوي الإيراني لرحلات المسافرين.
ومع ذلك، يبدو أن الإجراءت اﻷمريكية ضد إيران تعقد الوضع الآن، فقطر موطن لقاعدة جوية أمريكية كبيرة و10 آلاف جندي أمريكي، ولكنها تعتمد أيضا على إيران كمالك مشارك في حقل غاز الشمال أو حقل فارس الجنوبي الذي يضم احتياطيات تقدر بنحو 1800 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و50 مليار برميل من مكثفات الغاز، مع العلم أن ثلثي هذه الاحتياطيات يتواجد في المياه القطرية بينما ينتمي البقية إلى إيران.
وإذا نفذت واشنطن تهديداتها اﻷخيرة وصعدت هجماتها على إيران، سيتعين على الدوحة اختيار الجهة التي ستتعاون معها، مع وجوب الدراية الكاملة بمخاطر الانتقام الإيراني إذا انضمت الدوحة إلى الجانب اﻷمريكي، حيث يمكن إعادة فتح الخلافات القديمة حول تقسيم وتطوير حقل الشمال أو حقل فارس الجنوبي، وبالتالي قد تتوقف عمليات التطوير المستقبلية مما قد يعيق قطر عن الوصول إلى هدفها المتمثل في زيادة طاقتها التصديرية من الغاز بمقدار الثلث، أما في أقصى الظروف يمكن لإيران منع عمليات التطوير الجارية للحقل وعرقلة صادرات قطر الحالية من الغاز الطبيعي المسال.
وصممت الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة الماضية على فرض ضغوطات شديدة على إيران، ورغم أن قطر ليست الهدف الرئيسي للعقوبات اﻷمريكية، إلا أنها قد تكون ضحية مبكرة إذا لم تقدم دعما قويا للخطوات الأمريكية.