طالب محافظ البنك المركزى المصرى السيد طارق عامر أثناء ترأسه لجلسة اجتماع محافظى المجموعة الاستشارية الأفريقية فى إطار الاجتماعات السنوية للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى بعودة الأموال المهربة من دول إفريقيا على مدار عقود خاصة التى تم جمعها بطرق غير شرعية وأن هذه الأموال تقدر بالتريليونات من الدولارات وأنه يجب أن يكون للمؤسسات الدولية دور فى عملية تنظيم تلقى الدول لهذه الأموال وأنه توجد حاجة إلى تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد.
وليس من شك فى أن هذا الموضوع الذى يثار لأول مرة على مستوى عالمى موضوع فى غاية الأهمية بالنسبة لدول أفريقيا الغنية الفقيرة فى نفس الوقت والتى تعانى من مشاكل اقتصادية واجتماعية وقصور فى البنية الأساسية بسبب الأضرار بمواردها من خلال تهريب الأموال دون أن تعبء الدول المتلقية لهذه الأموال بالأثر السلبى لقبول هذه الأموال على الدول المهربة منها، لأنها تٌغلب مصالحها فى استقبال هذه الأموال وتوظيفها بما يؤدى إلى تسارع وتيرة النمو الاقتصادى لديها مقابل تخلف الدول المهرب منها الأموال وتركها فقيرة تمد اليد لطلب القروض والمنح والمساعدات على الرغم من أن الأموال المهربة لو تم تتبعها وإعادتها ستكون الملاذ لهذه الدول فى تقوية اقتصاديتها وتطوير البنية التحتية والإنفاق على التعليم والصحة واللحاق بركب الدول المتقدمة.
لذا يجب على المؤسسات الدولية مراجعة الأطر الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وإضافة نصوص وآليات من شأنها الحد من استمرارية الأموال المهربة سواء التى يتم تحويلها من خلال المصارف أو عبر الحدود والتنقل، خاصة أن هذه الأموال إذا تم تحويلها من خلال المصارف أو تهريبها عبر الحدود والتنقل على الرغم من أنها تحقق بعض المنافع للدول المهربة إليها إلا أنه فى الدول التى يضعف فيها نظم الحوكمة وانتشار الفساد قد تؤدى الى ارتفاع معدلات التضخم حيث إن الرغبة فى إضفاء الصبغة الشرعية على مثل هذه الأموال يتم من خلال المغالاة فى تحديد أسعار السلع بالتالى خلق حالة من التضخم غير المبرر، إضافة إلى خلق ما يعرف بالاقتصاد غير الرسمى والذى يشوه المنظومة الاقتصادية فى الدولة بطريقة أو بأخرى ويؤثر بصورة سلبية على إيرادات الدولة وجودة المنتجات وخلافه.
ولا ضير فى أن تلعب الأمم المتحدة دوراً أصيلاً فى هذا المنحى من خلال تجريم تلقى الدول للأموال المشبوهة، وأن يتم التأكد من التزام الدول بتطبيق مبادئ “اعرف عميلك” لمعرفة مصدر هذه الأموال، ووضع مجموعة من المعايير لتصنيف الدول إلى دول متعاونة ودول غير متعاونة فى مجال منع تهريب الأموال وفرض العقوبات الاقتصادية على الدول المخالفة وحث الدول على عدم تشجيع الممارسات الخاصة بتهريب الأموال، خاصة أن عددا من الدول المتقدمة يوجد بمصارفها أموال هائلة أصبح لا يوجد ولا يعرف لها صاحب يتم توظيفها والانتفاع من عوائدها وحبسها داخل الدولة حتى تصبح فى طى النسيان، خاصة أن أحداً لن يبحث عنها او سيتتبعها وبالتالى فهى أموال خرجت ولن تعد، علاوة على ذلك يجب أن تقوم الأمم المتحدة بإيجاد آلية يتم من خلالها التنسيق مع الجهات الرقابية على المؤسسات المالية بالدول تسمح بالإفصاح عن حجم وطبيعة الأموال الموجودة الراكدة أو الجامدة والمجهولة المصدر أو الصاحب، ومعرفة الدولة التى تم تحويل الأموال منها ومحاولة إعادة هذه الأموال إلى خزائن هذه الدول أو يتم تحويل هذه الأموال والاحتفاظ بها بصندوق تشرف عليه الأمم المتحدة بغرض الإنفاق على المنح والمساعدات للدول ذات الدخل المنخفض والفقيرة.
أن الأمر جد خطير ويجب أن تشكر الدول الأفريقية السيد محافظ البنك المركزى المصرى على مبادرته وتسليطه الضوء على هذا الأمر لأن عودة هذه الأموال سيحل جزءا كبيرا من مشكلة الديون داخل الدول الأفريقية والتى تعدت فى معظمها مؤشرات الأمان فيما يتعلق بنسبة الديون إلى الناتج المحلى وعلى هذه الدول دور أيضاً فى هذا الشأن وهو أن تقوم بواجبها نحو تقوية أطر الحوكمة ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومحاربة الفساد وهو الأمر الذى سيحد من عمليات تهريب الأموال فى المستقبل.
والله من وراء القصد ،،،
د.زكريا صلاح الجندى
الخبير المصرفى