القرض الجديد للبنك الدولى والاستثمار الأجنبى المباشر ذو أهمية حاسمة لدعم النمو
تقديرات الحكومة للعجز المالى متفائلة وقد لا تستطيع تحقيقها
توقع دويتشه بنك، أن يثبت البنك المركزى المصرى أسعار الفائدة على الجنيه حتى منتصف العام المقبل.
وقال البنك فى تقرير له عن الاقتصاد المصرى، إنه بالنظر إلى آثار سنة اﻷساس غير المواتية وتقلب أسعار المواد الغذائية والضغوط الناتجة من جانب الطلب والمزيد من الإصلاحات المالية التضخمية والتنظيمية التى لاتزال قيد الإعداد، سوف تستمر دورة تخفيف القيود النقدية ثابتة حتى نهاية النصف اﻷول من العام المقبل.
ويحافظ البنك المركزى منذ شهور على أسعار الفائدة دون تغيير عند 16.75% على الإيداع و17.75% على الإقراض.
وقال دويتشه بنك، إن البنك المركزى اعترف للمرة الأولى فى اجتماع لجنة السياسة النقدية الأخير بوجود خطر صعودى بحدوث انحراف طفيف عن نطاق التضخم المستهدف البالغ 13%، بزيادة أو نقصان 3% بحلول الربع السنوى اﻷخير من العام الجارى، والذى تم الإعلان عنه في مايو 2017.
وأرجع تقلب أسعار المواد الغذائية بشكل جزئي إلى الطبيعة غير التنافسية لصناعة الأغذية فى مصر، نظراً للهيكل التقليدى لسوق التجزئة.
ولا يعتقد البنك اﻷلماني بفاعلية أسعار الفائدة فى مصر عندما يتعلق الأمر بالتأثير على سلوك تحديد السعر لكل من منتجى الأغذية وتجار التجزئة، كما أن اتخاذ مزيد من السياسات التشددية أو تخفيف القيود النقدية في هذه المرحلة لن يكون أمر مفيد، حيث يشكل ذلك خطرا على النمو والديناميكيات المالية.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي إلى 17.7% على أساس سنوى فى أكتوبر الماضى من 16% فى سبتمبر الماضي، نظرا لآثار سنة اﻷساس غير المواتية واستمرار التقلبات فى أسعار المواد الغذائية والخضراوات، بالإضافة إلى الارتفاع الموسمى فى عنصر التعليم من الرقم اﻷساسى ﻷسعار المستهلك.
ومع ذلك، انخفضت معدلات تضخم أسعار المواد الغذائية على أساس شهرى إلى 3.5% في أكتوبر الماضى بعد أن كانت 4.8% في سبتمبر، مما يدل على أن تأثير صدمات الأسعار المالية فى شهرى يونيو ويوليو بدأت فى التلاشى، كما كان متوقعاً.
ومنذ إدخال تعديلات على ضوابط اﻷسعار المحددة إدارياً فى يونيو ويوليو الماضيين، أظهرت تقارير مؤشر مديرى المشتريات أن شركات القطاع الخاص غير البترولية كانت تمر ببعض تكاليف المدخلات الإضافية للعملاء رغم أنها لاتزال تشعر بالضغط على هوامشها.
وفي ظل إشارة تقرير مؤشر مديرى المشتريات فى أكتوبر الماضى إلى أبطأ وتيرة لتضخم أسعار المدخلات منذ يونيو الماضي، من المعتقد أن وتيرة الارتفاع فى الهامش المحملة على العملاء يجب أن تستمر فى الانخفاض.
وقال المصرف اﻷلمانى في تقريره أن الحكومة المصرية تبدو وكأنها تخلفت عن أهداف العجز المالى مرة أخرى، حيث تتوقع موازنة العام المالى 2018-2019 انخفاض العجز المالي إلى 8.4% من الناتج المحلى الإجمالى، “أي ما تصل قيمته إلى 438.8 مليار جنيه مصري”، مقارنة بـ 9.8% في العام المالى السابق، مع تحقيق فائض أولى 2% من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة بـ 0.2% فى العام المالى السابق.
ويعتقد البنك، أن الحكومة ﻟن تكون ﻗادرة على ﺗﺣﻘيق اﻟﻌﺟز اﻟﻣاﻟﻲ المستهدف ﻟﻌام 2018-19، ويرﺟﻊ ذﻟك ﻓﻲ اﻷساس إﻟﯽ ارﺗﻔاع أﺳﻌار البترول وﺗكاﻟيف اﻟﺗﻣويل اﻷعلى ﻣن اﻟﻣﺗوﻗﻊ، وتفترض موازنة الدولة وصول العائد على أدوات الدين الحكومية إلى 14.7% خلال العام المالي 2018-19، وهو أمر يعتقد “دويتشه بنك” أنه غير محتمل.
وربما تكون تفقات الدعم مصدر خطر على تحقيق نسبة العجز المستهدفة فى ظل أسعار البترول العالمية، ليوضح بذلك البنك اﻷلمانى أنه أصبح أكثر تشاؤماً نظراً للتطورات الأخيرة، متوقعين وصول العجز المالي إلى 9%، مشيراً إلى تقديراته التى تدل على أن ارتفاع أسعار البترول سيزيد من نفقات الدعم إلى 250 مليار جنيه من 214 مليار جنيه الموجودة فى الموازنة.
ويتوقع البنك وصول تكلفة خدمة الديون إلى 555 مليار جنيه خلال العام المالي الجارى، مقارنة مع 541 مليار جنيه الموجودة فى مشروع الموازنة، بفارق نحو مليار دولار.
ومع ذلك، يتوقع البنك تحقيق الحكومة فائضا أوليا بنسبة 1.4% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يقل قليلاً عن النسبة المتوقعة في الموازنة والبالغة 2%.
وفيما يخص الحساب الجارى، يبدو أن المصادر الرئيسية للتحسن ستستمر فى تحقيق مبالغ فائضة مسجلة فى الخدمات وحساب التحويلات الجارية.
وأدى إلغاء سعر الصرف الموازي إلى ارتفاع التحويلات المالية للمصريين العاملين فى الخارج، مما قاد معظم الزيادة السنوية البالغة 27.6% فى رصيد التحويلات الجارية فى العام المالى اﻷخير المنتهى في يونيو.
بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الظروف الأمنية المحسنة واستعادة الرحلات الجوية القادمة من روسيا في ارتفاع تدفقات العملات الأجنبية القادمة من السياحة بنسبة 124% على أساس سنوي، ليعمل كمساهم رئيسي في الارتفاع بنسبة 98% في رصيد الخدمات في الفترة ذاتها.
ويتوقع “دويتشه بنك” استمرار البلاد في جذب المزيد من السياح، مع العلم أن مستويات التدفقات السياحية لم تصل بعد إلى المستويات التي كانت عليها قبل الثورة، حيث بلغت أعداد السياح الوافدين ذروتها عند 14.7 مليون سائح في عام 2010 مقارنة بـ 8.3 مليون في عام 2017.
أشار بيان صادر عن وزارة الاستثمار في نهاية أكتوبر الماضي، إلى توصل الحكومة المصرية والبنك الدولي إلى اتفاق لإتاحة تمويل جديد لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، لتتوافر أول دفعات هذه الاتفاقية الجديدة خلال الأشهر المقبلة.
ووفقاً للبنك الدولى، الذي قدم قرضا بحجم مماثل لمصر في 2016، ستنفق هذه اﻷموال من أجل دعم مشاريع التنمية فى سيناء، بجانب دعم البنية التحتية الوطنية والنقل والمشاريع الزراعية.
واعتبر دويتشيه بنك هذه اﻷموال بجانب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ذات أهمية حاسمة لدعم ديناميكيات النمو في مصر في ظل الظروف النقدية المتشددة والبيئة التضخمية المرتفعة التى تواصل ممارسة الضغط على القطاع الخاص.
وعلى الرغم من التدفقات اﻷجنبية، أصدرت مصر بالفعل إجمالى يبلغ 85 مليار دولار وصافى 2 مليار دولار فى شكل أوراق دين محلية هذا العام، وقسم المبلغ بالتساوى بين أذونات الخزانة لثلاثة أشهر و6 أشهر و9 أشهر و12 شهراً بشكل أو بآخر.
وفى الوقت الذي تميل فيه معظم دول الأسواق الناشئة الأخرى إلى خفض المعروض من أذونات الخزانة في نهاية العام، بالنظر إلى الافتقار للطلب من المستثمرين، يحدث العكس تماما في مصر، حيث رفعت مصر مبلغ الإصدار المخطط له إلى 27 مليار دولار في الربع الرابع مقارنة بالمتوسط البالغ 22.5 مليار دولار فى الأرباع الثلاثة الماضية، لتسجل بذلك أعلى قيمة فى عامين.
وحتى نهاية العام الجارى، يتوقع “دويتشه بنك” ما لا يقل عن 11 مليار دولار من الإصدارات الإجمالية ﻷذونات الخزانة، والتي ستدفع بدورها إجمالى الإصدارات إلى 97 مليار دولار وصافى الإصدارات إلى 7 مليارات دولار، مقارنة بـ 87 مليار دولار و18 مليار دولار على التوالى فى عام 2017.
وانخفضت حصة الحيازات الأجنبية إلى أدنى مستوياتها منذ مايو عام 2017، حيث عانت سندات الخزانة فى مصر فى ظل التدفقات الخارجة الهائلة من المستثمرين الأجانب فى الأشهر الأخيرة، فبعد الوصول إلى الذروة فى حصة الحيازات عند 32% من الإصدارات تقريباً فى فبراير الماضى، توقف الأجانب عن التداول لتنخفض النسبة إلى 18% في نهاية 2018، أى إلى أدنى مستوى منذ مايو 2017.
وقال التقرير، إن مصر أكبر انخفاض في حصة حيازاتها بالمقارنة مع جميع اﻷسواق الناشئة اﻷخرى، ومن الصعب تحديد سبب معين للتدفقات الخارجية في الأشهر الأخيرة، ففي الواقع يعتقد البنك اﻷلمانى أنه مزيج من جنى الأرباح بعد عدة أشهر مع ارتفاع العائد وانخفاض التقلبات، والمخاوف التي تدور حول توقعات التضخم على خلفية ارتفاع أسعار البترول حتى أكتوبر، بجانب خطر التراجع المالي، والبيئة الخارجية المليئة بالتحديات للأسواق الناشئة.