لاشك أن اختلاف آراء الاقتصادين ينعكس بالسلب على المهتمين فى تشكيل آرائهم بل وبالطبع حالتهم النفسية اتجاه المستقبل، فالاقتصاد طبقاً للبعض مثلما كتب العالم جلال أمين -رحمة الله عليه- فى كتابه “فلسفة علم الاقتصاد” ليس بعلم، حيث أن من أسس العلم تكرار بعض المعطيات للحصول على نفس النتيجة، ولذلك أرى أن الاقتصاد هو فن مبنى على أسس علمية.
تقوم نظريات علم الاقتصاد على فكرة الأسواق باختلاف المدارس الاقتصادية، سواء الأسواق الحرة (أسواق تعتمد كلياً على العرض والطلب) أو أسواق يجب أن تدخل بها الحكومة لضبطها، فالأسواق ببساطة، محكومه بمجموعة من القواعد والقوانين ليكون السؤال دائماً عما إذا كانت هذه القواعد والقوانين التى تحكم تلك الأسواق تصب فى مصلحة أهداف الدولة أم لا… الحقيقة التى أقر بها الكثير من العلماء أنه لا وجود واقعى لفكرة الأسواق الحرة.
ولعل ما نراه من الدول العظمى التى تبنت فكرة الأسواق الحرة فى الأصل (مثل أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى) من خلال المواقف والقوانين الأخيرة التى تخص التجارة الدولية هو أكبر دليل على عدم وجود حقيقى لفكرة الأسواق الحرة. والجدير بالذكر، أنه بما أن السياسة – كما نرى – هى المؤثر الأهم والأساسى على تلك القوانين التى تحكم الأسواق ومن ثم تؤثر على الاقتصاد، فإن الاقتصاديين يختلفون فى آرائهم التحليلية لأنها فى الأصل معتمدة على السياسة وليس التصور العلمى فقط للأسواق.
يخطئ المحللون الاقتصاديون فى التحليل لاسباب كثيره مثل عدم توافر المعلومات لجميع الأطراف سواسية، وأن حتى -جدلاً- افترضنا توافر جميع المعلومات، فهناك كمية كبيرة من العوامل المترابطة والمؤثرة غير المتوقعة التى قد تحدث إما نتيجة عدم إدراك أولوية وأهمية كل عامل منها على حدة أو عدم معرفتهم أصلاً، فالتحليل الاقتصادى يخضع لمجموعة لا نهائية من العوامل المترابطة بعلاقات معقدة.
فمثلاً، لنفترض جدلاً أنك أصبحت رئيساً للوزراء فى دولة من ضمن دول الاقتصاد الناشئ مثل مصر تمر بمشاكل اقتصادية، وفى يومك الأول من الرئاسة أعلموك أنه يوجد إيرادات متوقعة للدولة فقط مليون جنيه.
وفى الناحية الأخرى، أنت تعلم أن هناك قطاع الصحة الذى يجب تطويره وقطاع التعليم الذى أيضاً يحتاج إلى تطوير، وكل قطاع من هذين القطاعين يحتاج مليون جنيه على حدة.
السؤال هو: إلى أى قطاع ستوجه إيراداتك؟ هل ستوجهها إلى الصحة، حيث يحتاج الجيل الحالى إليها بالتأكيد؟ أم ستوجها إلى التعليم حيث المستقبل؟ أم ستفكر خارج الصندوق وتتجاهل البندين السابقين وتعمل على استعادة الصناعات الصغيرة لتدر على الدولة فى المستقبل بإيرادات قد تكفى التزماتك؟ أم ستعمل على إقامة مشاريع عملاقة للأجيال القادمة توفر لهم عائد ربما يكون جيد، ولكن فى المستقبل أيضاً؟
أيضاً اختلف أصحاب النظريات فى شأن عجز الموازنة (مصاريف الدولة أكثر من إيراداتها) حول سدادها من خلال رفع الضرائب أم القروض، فمنهم من يرى أن العجز يجب أن يسد من خلال القروض وعدم التعرض إلى الضرائب، حيث إن الضرائب تؤثر بطريقة مباشرة على تدهور القدرة الشرائية ومتوسط الدخل لدى المواطنين.
ومن الناحية الأخرى يرى البعض أن رفع الضرائب لسد عجز الموازنة هو الحل، حيث انه لا يجب على الجيل الحالي توريث عجز الموازنة إلى الأجيال القادمة بدلاً من تدعيمهم.
بالطبع هذا المثل مبسط لدرجة السذاجة مقارنة بالواقع، ولكن الشاهد هو أنه أياً كان القرار فستجد من يخالفك وهو على صواب بالطبع، بل تشتد الأمور أزمة حين لا تكون جميع العوامل موضحة من قبل الدولة لخضوعها لعنصر السياسة سواء داخلية أو خارجية، كما ذكرت من قبل.
ولذلك عملية التحليل الاقتصادى فى وجهة نظرى تتطلب 3 عوامل رئيسية وهى: معرفه وتطبيق علمى، والقدره على الحصول على المعلومات، والقدرة على ربط المعلومات والعوامل المؤثرة وهذا هو لب الاختلاف.
أحمد عزالدين
محلل مالى واقتصادى
[email protected]