اسمحوا لى أن أبدأ هنا بالإعراب عن وجهة نظرى مقدماً فيما يتعلق بالموقف الأخير الذى اتخذه صندوق النقد الدولى.
هذا الصندوق يتصرف فى كثير من الأحيان بلا عقل واعى، ويفتقر إلى الحس السليم بتقدير التداعيات التى قد تحدث فى البلدان التى تحصل على قروض وتنفذ روشتة الصندوق التى هى غالباً ما قد تكون معدة سلفاً، وللأسف لا يصلح تطبيقها في كل الدول بنفس الكيفية.
ومن ثم يغمض الصندوق عينيه ويصم أذنيه تجاه ما يمكن أن يحدث من اضطرابات بسبب الإجراءات القاسية التى يتم تنفيذها فى برنامج الإصلاح الاقتصادى.
أنا، من بين آخرين كثيرين، شعرت بخيبة أمل كبيرة عندما طالعت أنباء تأخر اجتماع المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى للنظر فى الموافقة على صرف الشريحة الخامسة بقيمة 2 مليار دولار قبل نهاية العام الجارى من القرض الذي حصلت الحكومة المصرية عليه يقدمه الصندوق لمصر بقيمة 12 مليار دولار.
فعلى الرغم من الصندوق قد أدرج على جدول اجتماعات المجلس التنفيذى للتصويت على نتائج المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، غير أنه تم حذف مصر من جدول الاجتماعات دون اصدار بيان يوضح الأسباب، فما هى الافتراضات التى قد تسببت فى اتخاذ صندوق النقد الدولى مثل هذا القرار؟
على الرغم من عدم توفر تصريحات رسمية بشأن مشاورات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولى، غير أن التقارير الصحفية أشارت إلى أن وجود اتصالات من أجل تأجيل عدد من الإجراءات المتفق عليها ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى وعدم ربط صرف الشريحة الـ5 من القرض بتلك الإجراءات مثل تطبيق آلية تسعير الوقود، وتأجيل إطلاق برنامج الطروحات الحكومية للشركات فى البورصة، وهذ ما سوف نلقى عليه الضوء بإيجاز فيما يلى.
يهدف إلغاء دعم الوقود وتطبيق آلية التسعير إلى زيادة أسعار الوقود للوصول بها إلى 100% من قيمة التكلفة الحقيقية بحد أقصى منتصف عام 2019، بالتزامن مع تطبيق آلية مؤشر أسعار الوقود لمعظم منتجات الوقود بعد موافقة مجلس الوزراء عليها.
وبذلك يتم تعديل أسعار الوقود وفقاً للتغيرات فى أسعار البترول العالمية، وسعر الصرف، وحصة الوقود المستورد فى الاستهلاك المحلى، من أجل تحقيق المستهدف لتخفيف الضغط على الموازنة من التقلبات غير المتوقعة فى سعر الصرف وأسعار البترول العالمية.
أما برنامج الطروحات الحكومية فى البورصة الذى تم الاتفاق عليه بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولى، فهو يتضمن طرح ما لا يقل عن 4 شركات مملوكة للحكومة ضمن بحلول منتصف عام 2019.
هذا البرنامج الذى يعد من أهم شروط صندوق النقد لصرف شريحة القرض قد تأجل لحين تحسن أداء البورصة المصرية.
بصراحة شديدة أنى أتعجب من الاتصال الهاتفى الذى أجرته السيدة كريستين لاجارد المدير العام لصندوق النقد الدولى مع الرئيس عبدالفتاح السيسى.
هل من الأعراف المعمول بها ان تقوم السيدة لاجارد بتخطى المسئولين عن السياسة المالية والسياسة النقدية وتناقش أوجه التعاون بين مصر وصندوق النقد الدولى، وتطورات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى؟ هل كان ضرورياً أن تقوم السيدة لاجارد بممارسة ضغط غير مباشر من خلال التواصل مع السيد رئيس الجمهورية للتأكيد على ضرورة تنفيذ إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادى دون الالتفات الى التوقيت والتداعيات التى يمكن أن تسببها هذه الإجراءات؟ ناهيك عن الاضطرابات التى تحدث حالياً فى عدة دول في أوربا نتيجة لتطبيق إجراءات تقشفية وتنتقل عدوى تلك الاضطرابات الى عدة دول حت وصلت إلى بعض الدول العربية.
أكاد أن أجزم أن صندوق النقد الدولى لا يلقى بالاً بما يمكن أن تسببه سياساته التى يفرضها على الدول التى تستعين به فى إجراء إصلاحات هيكلية فى الاقتصاد، والتاريخ يشهد بذلك.
أنى على ثقة كبيرة أن القيادة السياسية والمجموعة الاقتصادية فى الحكومة المصرية لديهم الحس السياسى السليم الذى يراعى جميع الجوانب المحيطة بتنفيذ إجراءات الإصلاح الاقتصادى، ومنها ما له تأثير كبير على الأحوال المعيشية للمواطن المصرى.
لذلك أدعم موقف الحكومة المصرية تجاه توقيتات تنفيذ روشتة الإصلاح الاقتصادي، وأتفهم تماماً ماذا ومتى يجب أن تشرع الحكومة فى تنفيذ تلك الإجراءات.