تراجع ثقة الشركات وتقلبات أسواق الأسهم وارتفاع تكاليف الاقتراض عوامل عرقلت توسع القطاع
تباطأت عمليات الدمج والاستحواذ سريعاً من الوتيرة القياسية التى شهدناها فى بداية العام الجارى، ومن المتوقع أن تكون الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2018 أضعف فترة لمثل هذه العمليات منذ الربع الثالث من العام الماضى.
وأوضحت بيانات شركة «ريفنتف»، أن الشركات حول العالم أبرمت صفقات دمج واستحواذ بقيمة 761 مليار دولار، منذ بداية شهر أكتوبر الماضى، بانخفاض أكثر من 25% عن الربعين الأول والثانى، عندما بلغ إجمالى الصفقات 1.2 تريليون دولار لكل فترة.
وقال سكوت برشاى، محامى الشركات فى شركة «بول آند وايس» للمحاماة، إنَّ هذا التباطؤ جاء بعد فترة مضطربة فى أسواق الأسهم العالمية.
أضاف «إذا لم نحقق المزيد من الاستقرار، فهناك فرصة جيدة أن يتم الإعلان عن عدد أقل من الصفقات خلال عام 2019».
وفى الربع الأخير، تم الاتفاق على صفقة واحدة فقط تزيد قيمتها على 20 مليار دولار، وهى ضمن أكبر 20 عملية دمج واستحواذ تمت العام الجارى. كما تم التوصل إلى عقدين فقط، منذ أكتوبر الماضى، بما فى ذلك استحواذ شركة «آى بى إم» على شركة «ريد هات» للحوسبة السحابية بقيمة بلغت 32 مليار دولار.
وقال العديد من المستشارين، إنَّ الاضطرابات الأخيرة فى السوق قد تجعل من الصعب على المشترين والبائعين التوصل إلى اتفاق بشأن السعر خلال المفاوضات.
وحتى الوقت الحالى كانت مجالس إدارات الشركات مترددة فى قبول العروض الأقل قيمة بالنظر إلى الارتفاع القياسى الذى سجلته الأسهم العالمية خلال شهر سبتمبر الماضى.
وفى الوقت الذى أخبر فيه عدد من المصرفيين والمحامين الذين تحدثوا إلى صحيفة «فاينانشيال تايمز» أنهم توقعوا تباطؤاً فى عقد الصفقات، فقد حذر العديد منهم من أن التراجع سيكون مؤقتاً، وأن الشركات ستواصل تقييم عمليات الاستحواذ.
وقال روبن رانكين، الرئيس المشارك لعمليات الدمج والاستحواذ العالمية فى «كريدى سويس»، إنَّ دورة الدمج والاستحواذ لا يزال أمامها مجال للنمو، مضيفاً أن الكثير من المستثمرين يقومون بتحركات فى الوقت الحالى.
أوضح أنهم يركزون بشكل أكبر على الصفقات ذات القيمة الكبيرة، وهذا يشير إلى المزيد من الثقة والرغبة بتغيير المحافظ فى المستقبل.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن التحدى بالنسبة للعديد من الشركات تمثل فى وجود حواجز تنظيمية فى واشنطن وبروكسل وبكين.
وأوضح هرنان كريستيرنا، الرئيس المشارك لعمليات الدمج والاستحواذ العالمية فى بنك «جى بى مورجان تشيس»، أنَّ العقبات التنظيمية كانت تولد عدم اليقين فى مجلس الإدارات عندما يتعلق الأمر بمتابعة الصفقات.
وأضافت الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين الضغط ضد الاستحواذات الصينية للشركات بين الدول فى عام 2018.
وعلى الرغم من موافقة الشركات الصينية على صفقات خارجية بقيمة 182 مليار دولار العام الجارى بزيادة 17% على 2017، لكن تراجعت عمليات الاستحواذ على المجموعات الأمريكية بنسبة 15%.
ولا يزال النشاط العام لصفقات الدمج والاستحواذ فى بكين أقل من النشاط القياسى الذى شهدناه عام 2016 عندما تم التوصل إلى 258 مليار دولار من الصفقات عبر الحدود.
وساعدت سياسة الأمن القومى الأكثر تشدداً فى الغرب على إبعاد المشترين الصينيين عن الأسواق المتقدمة.
وكشفت بيانات شركة «ريفنتف» تراجع عمليات الدمج والاستحواذ الصينية فى الولايات المتحدة إلى 9.3 مليار دولار مع تراجع عدد الصفقات، خلال الربع العام الحالى.
وقال جيمس تام، رئيس عمليات الدمج والاستحواذ فى آسيا والمحيط الهادئ لدى بنك «مورجان ستانلى»، إنَّ المشهد يتغير بالتأكيد؛ حيث نشاهد عدداً قليلاً من الصفقات الصينية، مضيفاً أن هذا التراجع جاء بسبب الخلاف التجارى القائم بين أكبر اقتصادين فى العالم.
لكن الدفع ضد عمليات الدمج والاستحواذ الصينية لا يقتصر على الولايات المتحدة؛ حيث أفاد جريج بيرس، رئيس العمليات لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ فى بنك «يو بى إس»، بأنها ظاهرة عالمية فى ظل العولمة، وسهولة الوصول إلى الأسواق الأكثر صعوبة.
وبالفعل طورت أستراليا وألمانيا وكندا قيودها الاستثمارية بدافع حماية الأمن الوطنى، وفاجأت كندا المراقبين فى الصين من خلال منع شركة بناء الاتصالات الصينية «تشاينا كوميونيكيشنز» من الاستحواذ على مجموعة «أيكون» بتكلف تبلغ 1.18 مليار دولار فى وقت سابق من العام الجارى. وأوضح فيليب لى، شريك لدى شركة «فريشفيلدز»، أنَّ الناس سيكونون حذرين للغاية بشأن كيفية استثمارهم فى الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى، ولكن لا يزال هناك الكثير من الرغبة فى الاستثمار الأجنبى، خاصة فى المملكة المتحدة وسط الأسعار المنخفضة؛ بسبب مخاوف الخروج من الاتحاد الأوروبى. وكانت الاندماجات العالمية وأنشطة الاستحواذ مدفوعة بالصفقات ذات القيمة العالية فى عام 2018؛ حيث أجرت مجالس إدارات الشركات فى جميع أنحاء العالم رهانات كبيرة فى محاولة لتعزيز نمو الإيرادات وتحسين المنافسة. وارتفعت الصفقات التى تزيد قيمتها على 5 مليارات دولار بنسبة 70% لتصل إلى حوالى 1.5 تريليون دولار، ومثلت حوالى 40% من إجمالى المعاملات فى عام 2018.
وبلغت الصفقات التى زادت قيمتها على 10 مليارات دولار إلى أكثر من 40 صفقة العام الحالى، مقارنة بـ28 صفقة خلال عام 2017.
وانخفض العدد الإجمالى لصفقات الدمج والاستحواذ العام الحالى بما يقرب من 10% إلى أقل بقليل من 44 ألف صفقة، مقارنة بمستويات العام الماضى. وذكرت الصحيفة، أنَّ مستوى الصفقات فى العام الجديد سوف يعتمد جزئياً على قدرة مجموعات الاستثمار المباشر على تأمين التمويل اللازم لمعاملاتها.
ورفعت تقلبات السوق فى الآونة الأخيرة وارتفاع أسعار الفائدة تكاليف الاقتراض الذى عزز مستوى الحذر لدى البنوك عند تقديم التمويلات اللازمة. وعلاوة على ذلك، بدأت شركات الاستثمار المباشر فى استيعاب الركود الاقتصادى، خلال السنوات القليلة المقبلة، فى توقعاتها عند التفكير فى الاستحواذ.
وتوقعت سيمونا مايلارى، الرئيسة العالمية للرعاة الماليين فى بنك «يو بى إس»، أن يشهد العالم المزيد من عمليات الاستحواذ فى العام المقبل، خاصة الصفقات بين القطاعين العام والخاص، وسط تراجع تقييمات الأسواق العامة وهذا يمثل فرصة جيدة للمستثمرين.