أذربيجان.. البديل الأفضل أمام القارة
لسنوات، شعرت دول أوروبا الغربية بالقلق من إمكانية حصولها على الغاز، الذى تقوم خطوط الأنابيب الروسية بتوريد نحو خمسيه، ولم تنخفض مخاوف أوروبا منذ أن قطعت روسيا في عام 2014 إمدادات الغاز عن أوكرانيا، وهى الطريق الرئيسى الذى يصل من خلاله الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبى، كما أنها أوقفت تدفقات الغاز عبر الأنابيب الأوكرانية 3 مرات منذ عام 2006، تاركة العملاء المنتظرين للغاز، يرتجفون من الخوف.
وقالت صحيفة “الإيكونوميست” البريطانية، إن قادة الاتحاد الأوروبى يفكرون كثيراً فى مصادر أخرى للحصول على الغاز، ومنها الغاز الطبيعى المسال الأمريكى، ولكن تكلفة هذا النوع باهظة الثمن.
واشتعلت هذه المخاوف مرة أخرى فى عام 2018، إذ وصلت واردات دول الاتحاد الأوروبى من الغاز الروسى إلى مستوى قياسى، بجانب رفض روسيا في 29 ديسمبر الماضى مطالب أوروبية تستهدف إطلاق سراح 24 بحاراً أوكرانياً احتجزتهم روسيا بعد استيلائها على 3 سفن أوكرانية فى نوفمبر الماضى، ومطالبة أوكرانيا بفرض عقوبات جديدة على روسيا، مما يزيد من خطر قطع إمدادات الغاز الروسى مرة أخرى.
وفى الوقت نفسه، يشعر السياسيون الأوروبيون بالقلق بشأن مشروع إنشاء ” نورد ستريم 2″، وهو خط أنابيب مخطط له ينقل المزيد من الغاز الروسى تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، إذ طالب البرلمان الأوروبى، فى 12 ديسمبر الماضى، بإلغاء المشروع لأسباب أمنية، ولكن من الصعب التوقف عن استكمال أعمال تشييد المشروع خصوصاً بعد أن تم إنشاء 370 كيلو متراً من الأنابيب.
وسلطت “الإيكونوميست”، الضوء على بدائل أخرى للحصول على الغاز تتمثل فى تطوير قنوات وإمدادات بديلة.
ففى 7 ديسمبر الماضى منحت السلطات الإيطالية الموافقة النهائية على بناء المرحلة الأخيرة من ممر الغاز الجنوبى، وهو مخطط الاتحاد الأوروبى لاستيراد الغاز الطبيعى من منطقة قزوين.
وأشارت الصحيفة إلى اكتمال أكثر من 3 أرباع عمليات تشديد المشروع، بجانب بدء العمال فى مد خط الأنابيب أسفل البحر الأدرياتيكى إلى إيطاليا.
وإذا سارت الأمور حسب الخطة الموضوعة، ستبدأ خطوط الأنابيب الممتدة من أذربيجان، والتى تقدر قيمتها بـ 40 مليار دولار، فى إمداد أوروبا الغربية بالغاز بحلول عام 2020.
واقترح المخططون فى المفوضية الأوروبية فى البداية، تشييد خط أنابيب من إيران أو تركمانستان، ولكن إيران تخضع للعقوبات، بينما تبيع تركمانستان معظم إنتاجها من الغاز إلى الصين، وبالتالى اتجهت الأنظار إلى استيراد الغاز من أذربيجان.
ويشمل مشروع استيراد الغاز من أذربيجان الآن عشرات الشركات، بما فى ذلك شركة “بى.بى” البريطانية للبترول، وشركة البترول الحكومية الأذربيجانية “سوكار”، وشركة البترول التركية “تباو”.
ورغم سنوات التخطيط ومدى تعقيد المشروع، إلا أن قدرته، التى تبلغ 16 مليار متر مكعب سنوياً، تغطى نحو نصف ما كان يأمل المخططون الأوروبيون فى الحصول عليه، أما ممر الغاز الجنوبى فلن يلبى سوى 2% فقط من طلب الاتحاد الأوروبى.
ووفقاً لأسعار السوق، يستطيع غاز الممر الجنوبي لنقل الغاز المنافسة فى تركيا ودول جنوب شرق أوروبا، ولكن ليس في أسواق أوروبا الغربية الأكثر بعداً، بالإضافة إلى ذلك، تعد شركة “لوك أويل” الروسية للبترول واحدة من مطورى هذا المشروع.
وبالنظر إلى الشكل الذى يتخذه حالياً، لن يستطيع ممر الغاز الجنوبى تقديم الكثير للحد من الاعتماد على روسيا، وهو أمر لا يحتمل تغيره لسببين، أولهما وضع روسيا لخططها الخاصة لجلب الغاز إلى جنوب أوروبا.
فمن المقرر دخول خط أنابيب “توركستريم” المخصص لنقل الغاز الروسى عبر البحر الأسود إلى تركيا فى مرحلة التشغيل خلال العام الحالى، ليعمل بذلك بجانب خط “نورد ستريم 2”.
ويعتزم عملاق الطاقة الروسى “غازبروم”، المساهم الوحيد في خط “نورد ستريم 2″، بناء خط ثاني إلى الاتحاد الأوروبي ويتفاوض الآن على المكان الذي سينشأ فيه هذا الخط، مما قد يجعل ممر الغاز الجنوبي المدعوم من الاتحاد الأوروبي أقل قدرة على المنافسة، أما السبب الثانى، فيتمثل في عدم احتمالية وجود التغييرات التى تجعل من ممر الغاز الجنوبى أكثر قدرة على البقاء من الناحية التجارية.
ومع ذلك، قال مؤيدو المشروع، إنهم يخططون لمضاعفة حجم الصادرات إذا توفر المزيد من الغاز، خاصة من تركمانستان، ولكن التوسع سيتطلب بنية تحتية جديدة وتكاليف إضافية.
ومع ذلك، هناك طريقة لتجنب ذلك تتمثل فى نقل غاز جديد من تركمانستان إلى ممر الغاز الجنوبى من خلال صفقة مقايضة تشمل العبور عبر إيران، ولكن العقوبات الأمريكية المفروضة باستمرار على إيران تمنع اللجوء إلى هذا الخيار، كما أنها تعيق تطوير موارد الغاز الغنية فى إيران، والتى كان يمكن تصديرها إلى الاتحاد الأوروبى.
ويبدو أن هناك عملاق طاقة واحد على الأقل يتخذ فكرة إمكانية توسع الممر الجنوبى لنقل الغاز على محمل الجد، ولكن الاتحاد الأوروبى لن يشعر بالاطمئنان بعد معرفة أن هذه الشركة هى “غازبروم”، التى قال رئيسها التنفيذى، إنها ستتنافس للوصول إلى خط الغاز.
وتتطلب القواعد الأوروبية فتح وتوسيع القدرة الاستيعابية لممر الغاز الجنوبي أمام أكثر الموردين قدرة على المنافسة من حيث التكلفة، وبالتالى سيصعب منافسة احتياطيات “غازبروم” الهائلة وتكاليفها المنخفضة.
وربما يؤدي هذا المشروع، الذى يتم الترويج له كطريقة لتنويع إمدادات الغاز في أوروبا، في نهاية المطاف إلى توفير مسار إضافى لمورده الحالى غير المحبوب.