أصبح الذكاء الاصطناعى وتعليم الآلة من الأسلحة الأساسية فى الحرب على الاحتيال وتوجد عبارة شهيرة تقول «الشفاه الفضفاضة قد تغرق السفن» كانت مكتوبة على ملصقات زمن الحرب الأمريكية والتى تحذر من المحادثات غير الآمنة خلال الحرب العالمية الثانية، والآن، بعد 73 سنة من النصر على اليابان فى 2 سبتمبر 1945 أصبح الموقف مشابه لهذه الحقبة بسبب قذارة الحرب السيبرانية التى تهدد أماكن العمل والمنظمات.
وبحسب جولييت رزق الله رئيسة قسم التسويق فى مؤسسة «سايبوينت للهوية» فإنه يمكن تحديث العبارات الشهيرة لتصبح «يمكن أن تؤدى هجمات الخداع الإلكترونى الناجحة إلى غرق الشركات وكذلك الأفراد».
وبات الغش مستوطن فى العصر الرقمى ما يؤدى إلى خسارة المملكة المتحدة ما يزيد على 190 مليار جنيه استرلينى سنوياً بسبب التزوير وهو أكثر مما تنفقه الحكومة على الصحة والدفاع حسب وكالة الخدمات الائتمانية «إكسبريان».
وفشلت المنظمات من جميع الأحجام فى مواكبة التهديدات، ويرجع ذلك فى الغالب إلى ضعف النظافة السيبرانية البشرية وفى سبيل ذلك يتحول الكثير من قادة الأعمال إلى الذكاء الاصطناعى لمكافحة الاحتيال.
ويشير ستيوارت أستون، ضابط الأمن القومى بشركة «مايكروسوفت» فى المملكة المتحدة إلى أن الذكاء الاصطناعى ملائم لمحاربة الاحتيال لأنه يلتقط الأنماط والمخالفات التى لا يمكن للإنسان إدراكها بشكل طبيعى.
أضاف أن منظمته «اوزور ماشين ليرينينج » تعمل على حماية «كولكريديت» وهى واحدة من أكبر وكالات مراجعة الائتمان فى المملكة المتحدة عبر تحديد المجرمين الذين ينتحلون شخصية فرد آخر عند محاولة الوصول إلى تقارير الائتمان واقتراض المال.
وتوجد عدد من الابتكارات الواعدة بما فى ذلك القدرة على النظر إلى البيانات الغنية التى كانت مستبعدة سابقاً من امكانية اكتشاف الاحتيال، مثل الصور الفوتوغرافية والفيديو والصوت، مما أحدث ثورة فى جهود منع الاحتيال، ومع أدوات الذكاء الاصطناعى، يمكن إجراء هذه المهام بشكل أسرع وبمعدلات أكبر نظراً لأنها فعالة ودقيقة أكثر من ذى قبل.
وتوجد الآن مجموعة متزايدة من تطبيقات برامج الوقاية من الاحتيال المماثلة التى تقوم بها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى السوق مثل «زونوس» و«بيبل» و«اوفاشين» على الرغم من أن المجرمين يستخدمون نفس القدرات بطرق شريرة.
ويقول ريتشارد لوش رئيس الأمن التشغيلى فى شركة «سى جى آى» بالمملكة المتحدة لمجلة «راكوانتر»، إن التعلم الآلى سيكون ضرورياً لتطوير ذكاء اصطناعى أسرع وأكثر بديهية لأنه على الجانب الآخر يمكن للقراصنة استخدام الآلة أيضاً.
ومن الأمثلة على ذلك «ديبلوكر» وهو تطبيق يمكنه استخدام الذكاء الاصطناعى لإخفاء البرامج الضارة ولهذا السبب من المهم حقاً أن تتكامل التكنولوجيا مع المشغلين البشريين الذين يمكنهم استخدام الحدس البشرى الذى لا يستطيع الذكاء الاصطناعى حالياً تحقيقه.

ويتفق لوكا فيل، مدير عمليات الأمن السيبرانى على أن تبنى الذكاء الاصطناعى لمكافحة الهجمات الاحتيالية يصبح أمراً ضروريًا خاصة للمساعدة على الإبلاغ عن النشاط الاحتيالى بسرعة بالغة، وغالباً فى غضون ثوان بحيث يمكن إيقاف الجريمة المحتملة أو رصدها على الفور.
ويمكن أيضاً ضبط الذكاء الاصطناعى لتنبيه المؤسسات فقط إلى الاحتيال بدلاً من الاحتيال المحتمل، حيث أن فرق الأمن السيبرانى لا تنفق الكثير من الوقت على النشاط الآمن، ولكنها قد تصدر إنذاراً لمجرد ظهور نشاط غير معتاد.
ومن وجهة نظر مارتن بايلك مدير أبحاث تعلم الآلة فى شركة «أفاست» عملاق أمن الإنترنت، فإن الذكاء الاصطناعى لم يقم فقط بتحسين الدفاعات، بل أعاد تشكيل الأمن بقدرته على اكتشاف التهديدات بشكل فورى والتنبؤ بدقة للتهديدات الناشئة وهذه قفزة عملاقة للأمام لهذه الصناعة لأن الوضع قبلها كان باهظ التكلفة فهذا النوع من المهام يتطلب مورداً هائلاً ليقوم البشر به بمفردهم.
فى حين من المرجح أنه قبل فترة طويلة سوف تصل هذه الجهود إلى النقطة التى يمتلك فيها العالم نظاماً أمناً يعمل بشكل آلى تماماً ويستند إلى الذكاء الاصطناعى الفعال بما يكفى للقضاء على نسبة عالية من الاحتيال دون الحاجة إلى أى تدخلات بشرية.
وأعلنت مؤسسة «فيدزى» مؤخراً أنها ستجعل التعلم الآلى يسيطر على ساحة قتال الاحتيال مدعية أن هذا هو الإصدار الأول فى الصناعة، ورغم ذلك، فإن كثيرون ينصحون بعدم تسليم الجهود إلى الآلة فقط، وبالنسبة للخبراء فستحتاج المنظمات دائماً إلى زوج نهائى من العيون البشرية للتأكد من عدم حدوث أخطاء واضحة.
وتعمل شركة «سحابة جوجل للتخزين الافتراضى» على جذب المزيد من الأشخاص للعمل فى عمليات اكتشاف الاحتيال لحماية خدمة العملاء ذات الصلة ولذا من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان منع الاحتيال سيتم تلقائياً بالكامل، مما يؤدى إلى استبعاد البشر تماماً.
ويرى فريق من العلماء أن الأتمتة الكاملة لها أيضاً آثار سلبية فى ظل التنظيم العام لحماية البيانات دولياً مع الأخذ فى الاعتبار أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تحد آلياً من قدرة المستهلكين على استخدام أموالهم الخاصة فى بعض الحالات ولتحقيق النتائج المرجوة ستحتاج الشركة التى تسعى إلى تطبيق الذكاء الاصطناعى الكامل إلى إظهار مستوى عالٍ من الشفافية حول عملياتها.
من جانبه، يعتقد ليمور كيسم مستشار الأمن التنفيذى فى «آى بى إم سيكيوريتى»، أن نقاط التحقق المتعددة بالإضافة إلى إدخال مصادقة بيومترية مثل بصمة العين ستكون فعالة مرة أخرى باستخدام الذكاء الاصطناعى، مما يعزز الدفاعات الرقمية.
ومع انتشار التكنولوجيات الجديدة وتعدد المواقف والتفضيلات من قبل المستهلكين سيقود ذلك الطريق إلى تقليل استخدام كلمة المرور ووضع ضوابط أمان تضع مزيد من العقبات أمام المهاجمين.
ولا يمكن القول أن هناك طريقة واحدة يمكن اعتبارها غير قابلة للاختراق ولكن يمكن أن يؤدى استغلال أكثر من عنصر لجعل أى هجوم للقراصنة مكلف للغاية.
وعلى المدى الأطول، من المؤكد أن الذكاء الاصطناعى سيصبح جزءاً أساسياً من الطريقة التى تمنع بها المؤسسات الاحتيال وهى بحاجة إلى تغيير الطريقة التى تدير بها هذه الجهود ومواجهة المهاجمين بالتقنيات التى تسمح بمشاركة البشر.
وبمرور الوقت، من المرجح أن تستمر هذه التقنيات فى الحد من معدلات الاحتيال لتصل إلى نقطة الانكسار التى تجعل أى هجوم للقراصنة غير مربح.